وهنا نقف هنيئة عند جملة ( وخلّف فينا راية الحق ) التي ترد في حديثه عليهالسلام وروداً تام الدقة في التعبير عن استمرار الهداة ، الذين يشغلون المساحة التي يهدف إليها خط الرسل ، وعند التيقن من هذا الأمر أخي القارئ الكريم ، سوف تنفرج أمامك سبل معرفة الفرق الجوهري ما بين ( الإمام المثال ) ، وما بين الزعماء والقادة الذين يملكون ويزولون ، ويحكمون ويمضون ، وليس لآثارهم في عقائد وقلوب الناس ما يمكن أن يدخلهم دائرة الصفوة ، التي تؤدي بدورها إلى مفهوم العصمة ، والعصمة شأن لا يكتسب اكتساب المعرفة والدراية ، إنما خصيصة تدخل في دائرة معرفة الله سبحانه لأولئك الذين اختارهم رسلاً وأئمة ، وما هؤلاء سوى بشر رفعهم عن حجب الظلمات وأيدهم بنوره وكلماته.
عند هذه النقطة تنفرط كلمات الإمام عليّ عليهالسلام عن سبحة النور ، فيفتح أفقاً من آفاق الفيض الرسالي على الذين رقّت نفوسهم ، وشفت عن جوهر فطرتها ، ويخاطب قائلاً :
( فطوبى لذي قلب سليم ، أطاع من يهديه ، وتجنب من يرديه ، وأصاب سبيل السلامة ببصر من بصَّرهُ ، وطاعة هاد أمره ، وبادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه ، وتقطع أسبابه ، واستفتح التوبة ، وأماط الحوبة ، فقد أقيم على الطريق ، وهدي نهج السبيل ) (١).
__________________
١ ـ أنظر : نهج البلاغة : الخطبة ٢١٤.