والحقّ أنّ عملنا هنا ينصبّ بالدرجة الأُولى على مفهوم الإمامة ، وليس على وظيفة الإمام ، مع ما سيكون من فروع تتفرع عن هذا الفهم ، لأنّ الانطلاق من المفهوم إلى المصداق هو الذي يعين على تلمّس معرفة أسباب الاختلاف الذي نشب بين الآراء التي بحثت موضوع الإمامة في الإسلام ، ونحن نعلم المدى الذي شغله هذا الموضوع من الفكر الإسلامي ، لكن الأمر أوسع من ذلك ، فهو موضوع في الواقع يشغل مساحة كبرى من الفكر البشري عموماً ومنذ أقدم الأزمنة ، بمعنى أنه ليس بدعة خاصة جاء بها الإسلام ، بل وفق المنهج الذي تبنّيته ، يتبيّن أنّها في عمق الحقيقة البشرية وعمق النفس الإنسانية ، أيّ أنّ الإمامة ضرورة إنسانية وليست ضرورة مذهبية أو دينية مع ما يمثله الدين من ضرورات في حياة الناس.
وقد أخذ الجدل في التراث الإسلامي حول هذا الموضوع بعداً متميزاً ، بحيث نجد من يعتبر الحديث في الإمامة من غير المسموحات ، وأنّ الخطر كل الخطر في الاقتراب منه! ونجد أيضاً نقيض هذه الفكرة لدى أطراف أُخرى ، كما نجد من وقف في المنطقة الوسطى بين هذين الأمرين ، فلهذا رأينا أنّ المجال يتّسع لحمل هذا الأمر محمل البحث الجديد لما فيه من خير وفائدة ، مستعينين ـ بالإضافة إلى العلوم المتبعة في هذا المجال ـ بعلم النفس الذي يقدّم لنا خدماته في هذا المجال ، والذي هو مجال تخصصي ودراستي.