أن الناس تنفتح قلوبهم على مغادرة مخادعها ، بكل هذا الاصرار ، وجميع هذا الالحاح ، يجعل من المتتبع له ، امرءً غائصاً في مياه الرحمة ، تلك رحمة الله التي مدَّ الناس بها ببعث محمد صلىاللهعليهوآله ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ) (١).
وتتجسد هذه الرحمة أكثر ما تتجسد في خوفه على مخلوقات الله ، خوف الذي كشفت له الحجب ، وعرف كنه سرائرها ، وميله الميل الأبوي بالغ الحنان والعطف والخوف عليهم ، نلتمس طرفاً منه هنا ، يقول :
« فوالله لو حننتم حنين الوُلّهِ العجال ، ودعوتم بهديل الحمام ، وجأرتم جؤار متبتلي الرهبان ، وخرجتم إلى الله من الأموال والأولاد ، التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده ، أو غفران سيئة أحصتها كتبه ، وحفظتها رسله ، لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه ، وأخاف عليكم من عقابه » (٢).
هذا حديث خائف على أمته ، قابض على رسالات ربه ، مدرك لحقائق الأمور ، وإلى أين تذهب بالناس دنياهم ، لقد همّ عليهالسلام أن ينتزع الدنيا من قلوبهم انتزاع عدوه من مكمنه ، ليس له في ذلك صالح سوى أن لا يرى في عباد الله بعد أن أيدهم الله بنور نبيّه الخير ، وأن
__________________
١ ـ الأنبياء : ١٠٧.
٢ ـ المصدر نفسه.