فإن ذهبت الرغبة نحو طعام مثلاً فإن مجرد الحصول عليه وتناوله يكفي لقضاء هذه الحاجة ، وبالتالي لا تكون هدفاً سامياً يتوجه إليه الإنسان بالكلّية ، وهكذا سائر الحاجات مما يمكن تلبيتها ، أو تحصيلها أو القبض عليها ، من قبيل المال والسلطان واللذائذ جميعها ، فإن إمكان الحصول عليها لا يجعلها هدفاً نبيلاً يستحق أن يسقط الشهداء من أجله مثلاً مع الاحتفاظ بما يبذله الإنسان من جهد ومشقة ، ومن أجل تحصيل هذه الحاجات ، وإنما الذي يستحق أن نحث السير إليه هو ذاك الذي يجعل الإنسان في لحظة من اللحظات باحثاً عن غاية غير دنيوية ، أي مندفعاً نحو إشراق تتحرك إليه جوارحه بلهفة ، وراغباً في صرف تعلقاته القلبية عن الغير ، متوسلاً صرفها نحوه (١).
ولا يمكن بلوغ مثل هذا الشعور إلاّ عبر التجرّد ، لأن شعوراً ينبع من حاجة تلح دائماً ولا تشبعها اللذائذ المادية ، هو ميل في الواقع نحو مطلق لا تقيده قيود ، ولا يكتفى منه ، ولا يستغنى عنه ، وهو بعدئذ ليس اختراعاً يصوب نحوه سهم الخطأ أو الصواب ، إنما هو الذي يضع ـ بعد التجرد ـ اللبنة الأُولى في مقام المعرفة ، وهو المقام الذي يشير إليه الإمام علي عليهالسلام عند قوله في معرفة الله تعالى : « أوّل
__________________
١ ـ انظر : سر الصلاة أو صلاة العارفين ، الإمام الخميني ، تعريب أحمد الفهري مؤسسة الإعلام الإسلامي ، المقدمة.