يقول سبحانه وتعالى : ( هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور ) (١) ، ثمة ما يثير في المتأمل شهوة التعمّق في هذا الكلام ، حتى يبلغ بإذن الله مراده لعل الظلمات مساوية للعمى هنا ، مثلما النور مساو للإبصار وفي الموازنة بين الإبصار والعمى ، ينبغي أن ندخل عمق وروح هذا التعبير ، بعد أن نعرض الآية التالية : ( وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور ) (٢).
اتضحت لنا الآن سوية النور وسوية الظلمة ، إنّ النور يساوي الإبصار بحسب هذا الاستنتاج ، كذلك تساوي الظلمة العمى ، لكن الواقع أنّ العمى الذي ترجح الإشارة إليه هنا ، ليس عمى العيون التي تنقل المشاهد الخارجية إلى العصب البصري ليذهب بدوره إلى مركز الاستقبال الدماغي فيكون له معنى ينطبع في المخيلة ، وإنّما الوارد أن يكون هذا العمى هو عمى الذات ، أي تيهها واستغراقها في الجهل وعدم دراية المتجه مع وضوحه وبيانه ، وهذا يؤخذ من قوله تعالى : ( فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) (٣) وإذا حملناها على هذا المحمل ، فإنّ القلب الذي يشار إليه في القرآن هو مركز التعقل ومكمن الإستجابة للنداءات ، وهو
__________________
١ ـ الرعد : ١٦.
٢ ـ فاطر : ١٩ ، ٢٠.
٣ ـ الحجّ : ٤٦.