٢ ـ ثمّ إنّ الآية بمفهومها الخاصّ والعام دالّ على العصمة ، فإنّ إذهاب الرّجس يشمل كلّ الذّنوب والمعاصي والرّذائل صغيرها وكبيرها ، وخصوصاً إذا أُضيف إليها تطهير من ربّ العزّة والجلالة ، وإذا كان المسلمون يتطهّرون بالماء والتراب طهارة جسدية لا تتعدّى ظاهر الجسم ، فأهل البيت طهّرهم الله طهارة روحية غسلت العقل والقلب والفؤاد ، فلم تترك لوساوس الشيطان ولا لارتكاب المعاصي مكاناً ، فأصبحت قلوبهم صافية نقية خالصة مخلصة لخالقها وبارئها في كلّ حركاتها وسكناتها.
٣ ـ ولكلّ ذلك كان هؤلاء المطهّرون مثالا للإنسانية جمعاء في الزهد ، والتقوى ، والإخلاص ، والعلم ، والحلم ، والشجاعة ، والمروءة ، والعفّة ، والنّزاهة ، والعُزوف عن الدنيا ، والقُرب منه جلّ وعلا ، ولم يسجّل التاريخ لواحد منهم معصية أو ذنباً طيلة حياته.
____________
مسند أبي يعلى الموصلي ١٢ : ٢٤٤ ، الطبراني في المعجم الكبير ٣ : ٥٢ ، أُسد الغابة ٣ : ٤١٣. وممّا يدلل على ذلك وأنّ الفهم السائد لدى الصحابة آنذاك من أنّ المراد بالآية ليس أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإنّما المراد بهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام مضافاً إلى سيدهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أخرجه في الدر المنثور ٥ : ١٩٨ عن عكرمة من قوله في آية التطهير « ليس بالذي تذهبون إليه إنّما هو نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم » ، بعد ملاحظة كون عكرمة البربري خارجياً وهو الذي نشر مذهب الخوارج في المغرب كما ذكر ذلك ابن حجر في تهذيب التهذيب ٧ : ٢٣٧ والخوارج كانوا يكفّرون علياً ويتحاملون عليه ، فعكرمة كان يدعو إلى ذلك لأنّه يريد طمس فضائل أهل البيت; إذ لا يطيق أن يرى قرآناً يتلى في حقّ أهل البيت عليهمالسلام ، وعلي رئيسهم ، وهو خارجي يبغضه ويقاتله كما فعل إخوانه الخوارج من قبل ، فلذلك كان ينادي في الأسواق إنكاراً لفضيلته ومنزلته المعلومة لدى المسلمين آنذاك.