وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (١).
وكان من السنّة النبويّة المعروفة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يخصّ المؤلّفة قلوبهم بسهمهم الذي فرضه الله لهم ، كما أمرَهُ الله تعالى ، ولكنّ عمر بن الخطّاب أبطل هذا العطاء المفروض في خلافته ، واجتهد مقابل النصّ وقال لهم : « لا حاجة لنا بكم ، فقد أعزّ الله الإسلام وأغنى عنكم ».
بل لقد عطّل هذا الحكم في خلافة أبي بكر ، إذ جاءَه المؤلّفة قلوبهم جرياً على عادتهم مع رسول الله ، فكتب لهم أبو بكر بذلك ، فذهبوا إلى عمر ليأخذوا نصيبهم ، فمزّق عمر الكتاب وقال لهم : لا حاجة لنا بكم فقد أعزّ الله الإسلام وأغنى عنكم ، فإن أسلمتم وإلاّ فالسّيف بيننا وبينكم ، فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا : أأنت الخليفة أم هُو؟ فقال : بل هو إن شاء الله ، وتراجع أبو بكر فيما كتب موافقاً لرأي صاحبه عمر (٢).
والعجيبُ أيضاً أنّك تجد حتّى اليوم من يدافع عن عمر في هذه القضية ، ويعتبرها من مناقبه وعبقريّاته ، ومن هؤلاء الشيخ محمّد المعروف بالدواليبي ، إذ يقول في كتابه أُصول الفقه في : « ولعلّ اجتهاد عمر ( رضي الله عنه ) في قطع العطاء الذي جعله القرآن الكريم للمؤلّفة قلوبهم ، كان في مقدّمة الأحكام التي قال بها عمر تبعاً لتغيّر المصلحة بتغيّر الأزمان ، رغم أنّ النّص القرآني في ذلك لا يزال ثابتاً غير منسوخ ».
ثمّ أخذ بعد ذلك يعتذر لعمر بأنّه نظر إلى علّة النصّ لا إلى ظاهره .. إلى
____________
(١) التوبة : ٦٠.
(٢) بدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني ٢ : ٤٥ ، النصّ والاجتهاد : ٤٣.