حين يختار هو ستّة للخلافة نراه يقول : لو ولّوها الأجلح ( يقصد علي بن أبي طالب ) لحملهم على الجادّة (١). فما دام يعترف بأن علياً هو الشخص الوحيد الذي يحمل النّاس على الجادّة ، فلماذا لم يعيّنه وينتهي الأمر ، ويكون بذلك قد بذل النصح لأُمّة محمّد؟!.
ولكنّا نراه بعد ذلك يتناقض فيرجّح كفّة عبد الرحمن بن عوف ، ثمّ يتناقض مرّة أُخرى فيقول : لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لولّيته عليكم (٢).
والأعجب من ذلك في أمر أبي حفص هو منعه الحديث عن النبىّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وحبسه الصّحابة في المدينة ومنعهم من الخروج منها ، ونهيَه المبعوثين من قِبله إلى الأقطار بأن لا يحدّثوا الناس عن السنّة النبويّة ، وحرقه للكتب التي كانت بأيدي الصّحابة ، وفيها أحاديث النبىّ صلىاللهعليهوآلهوسلم!!
ألم يفهم عمر بن الخطّاب بأنّ السنّة النبويّة هي تبيان للقرآن الكريم؟ أوَلم يقرأ قوله سبحانه وتعالى : ( وَأنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
____________
(١) الطبقات الكبرى ٣ : ٣٤٢ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٢ : ٢٦٠ ، كنز العمال ١٢ : ٦٧١ ح ٣٦٠٤٤. وقال : ( ابن سعد والحارث ، حل واللالكائي في السنّة وصحح ).
(٢) وهذا الحديث اتخذه أبو حنيفة حجّة على جواز الخلافة للموالي ، وخالف بذلك الصريح من حديث النبي صلىاللهعليهوآله بأنّ الخلافة لا تكون إلاّ في قريش ، ومن أجل ذلك اعتنق الأتراك مذهب أبي حنيفة عندما استولوا على الخلافة ، وسمّوا أبا حنيفة الإمام الأعظم ( المؤلف ).
والنصّ في : تاريخ ابن خلدون ١ : ١٩٤ ، أسد الغابة ٢ : ٢٤٦.