يهجُر ، ويشاركونه في منع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من كتابة الكتاب ، وأعتقد بأنّ ذلك كان هو السبب الرئيسي في سكوت النبىّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الكتابة; لأنّه علم بوحي ربّه بأنّ المؤامرة قوية ، وقد تهدّدُ مسيرة الإسلام بكامله إذا ما كُتب ذلك الكتاب.
ذلك الكتاب الذي أراد به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تحصين أُمّته من الدخول في الضّلالة ، فإذا بالمتآمرين يقلّبون الموقف ، ويصبح ذلك الكتاب ( إذا ما كُتبَ ) سبب الضلالة والانقلاب عن الإسلام.
فكيف لا يُغيّر رسول الله ـ بأبي هو وأُمّي ـ وهو على تلك الحال من المرض على فراش الموت رأيهُ ، وبوحي من ربّه الذي يرنّ في أُذنيه ، ويملأُ قلبه حسرة وأسى على أُمّته المنكوبة ، قوله : ( أفَإنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ ) (١).
ولم تنزل هذه الآية عفوية ، بل هي نتيجة حتمية لما علمه الله سبحانه من دسائسهم ومؤامراتهم ومكرهم ، فهو يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور ، والذي يُعزّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ ربّه أعْلمه عن كلّ ذلك وسلاّه ، وأجزاه خير ما يجزي نبي عن أُمّته ، ولم يحمّله مسؤولية ارتداد الأُمة وانقلابها ، بل قال له مسبقاً :
( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلا * لَقَدْ أضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنسَانِ خَذُولا * وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً *
____________
(١) آل عمران : ١٤٤.