ولو فرض عدم جريان ما ذكروه ثمّة بجميع تقاديره هنا ، بملاحظة أنّ أحد تقديري الجواب المذكور ثمّة ـ وهو حمل « الأحكام » على البعض ـ غير جار هنا ، ويمكن أن يكون النكتة في التفكيك بين الإشكالين بعدم إجراء الوجه المذكور في دفع ثانيهما مع إجرائه في دفع أوّلهما ، اعتبار الملكة بحيث يدخل في مفهومها وجود المدرك والتمكّن من استعماله ، فحينئذ يكون المذكور فاقدا للملكة بهذا المعنى ، لما نبّهنا عليه من عدم وجود الأدلّة العلميّة له مع وجود الاختلال في الأدلّة الموجودة.
وثانيا : منع توجّه الإشكال على تقدير حمل « الأحكام » على الفعليّة ، وقد تقدّم أنّها الظاهر من إطلاقها عرفا ولغة ، فحينئذ يشمل الحدّ لجميع موارد الفقه وإن كانت تختلف بالنظر إلى الواقع بكون بعضها مقطوعا بها ، والبعض الاخر مظنونا بها ، والبعض الثالث مشكوكا فيها ، لأنّه في الجميع جازم إذا اعتبر فيه وصف الفعليّة بملاحظة دليله المؤلّف من مقدّمتين قطعيّتين ، المعبّر عنهما « بأنّ هذا مؤدّى اجتهادي ، وكلّ مؤدّى اجتهادي فهو حكم الله في حقّي » والمناقشة فيه : بأنّ مقتضى الحدّ حصول العلم عن الأدلّة التفصيليّة وهذا دليل إجمالي.
يدفعها : ما قدّمنا الإطناب في تحقيقه وتقريبه من أنّ استناد صغرى هذا القياس إلى الأدلّة التفصيليّة ـ كما هو المفروض ـ كاف في صحّة استناد النتيجة إليها ، ولا يضرّ فيه استناد الكبرى إلى غيرها ، ويتأكّد هذا البيان بملاحظة ما سبق (١) من كون « الفقه » من جملة العلوم الّتي يطلب بالبحث فيها إحراز صغريات بالنظر ، تنضمّ إليها كبرى مسلّمة مأخوذة من الخارج ، فالمسائل الفرعيّة حينئذ هي النتائج المستند صغريات قياساتها إلى الأدلّة التفصيليّة ، ويجب أن يكون هذا هو المراد بما في الحدّ من تعلّق « الأدلّة » بالعلم على ما هو الظاهر.
[٢٧] قوله : ( وما يقال ـ في الجواب أيضا ـ : من أنّ الظنّ في طريق الحكم لا فيه نفسه ، وظنّية الطريق لا ينافي علميّة الحكم ... الخ )
__________________
(١) تقدّم في التعليقة الرقم ١٣ ، الصفحة : ١٠٣.