والقائل به العلاّمة (١) تبعا لما في كتب أكثر العامّة ، وهذا كما ترى يرجع إلى ما قرّرناه أخيرا ، بناء على أنّ المراد بطريق الحكم هو الدليل المذكور المؤلّف من مقدّمتين قطعيّتين ، فإنّ الظنّ في هذا الدليل إنّما أخذ وسطا ، لوقوعه محمول الصغرى وموضوع الكبرى ، لا أنّه في نفس الحكم بأن يكون بنفسه مظنونا ، بل هو مقطوع به لقطعيّة مقدّمتي دليله ، أمّا الاولى فبالفرض والوجدان ، وأمّا الثانية فبالأدلّة القاضية بوجوب التعبّد بالظنّ بعنوان القطع ، والفرق بين الاعتبارين أنّ الظنّ على الاعتبار الأوّل من أجزاء القضيّة محمولا وموضوعا ، وعلى الاعتبار الثاني من عوارض النسبة الّتي هي أيضا من أجزائها ، لكن المصنّف ومن تبعه لم يرض بهذا الجواب نظرا منه إلى أنّه لا يرتبط إلاّ بمقالة المصوّبة.
[٢٨] قوله : ( فضعفه ظاهر عندنا ، وأمّا عند المصوّبة القائلين بأنّ كلّ مجتهد مصيب ـ كما سيأتي الكلام فيه في بحث الاجتهاد ـ فله وجه ... الخ )
وحاصل مراده من هذا الاعتراض مع تحرير منّا : أنّ قولكم : ظنّية الطريق لا ينافي علميّة الحكم ، محتملا لوجوه ثلاث :
الأوّل : كون الدليل ظنّيا لا ينافي كون الحاصل منه هو القطع ، وهذا كما ترى واضح البطلان ولا يتفوّه به أحد ، لكون النتيجة في وصفي القطع والظنّ تابعة لدليلها فإن قطعيّا بقطعيّة مقدّمتيها فقطعيّة ، وإن ظنّيّا بظنّيّة إحدى مقدّمتيها أو كلتيهما فظنّيّة ، فإذا فرض الدليل ظنّيا لا يعقل كون الحاصل منه هو القطع.
الثاني : أنّ كون الدليل ظنّيا وإن استلزم كون الحاصل منه هو الظنّ ، لكن حصول الظنّ منه وتعلّقه بالحكم لا ينافي تعلّق القطع أيضا بمتعلّقه مع كونهما في درجة واحدة ، بأن لا يكون الظنّ علّة لشيء كالقطع ، وهذا أيضا ـ مع كونه خلاف الفرض حيث لم يكن الحكم مقطوعا به ، وإلاّ لم يكن هناك إشكال ـ واضح الفساد ، لأدائه إلى اجتماع المتضادّين في محلّ واحد من جهة واحدة.
__________________
(١) تهذيب الوصول إلى علم الاصول : ٢.