أوّلها : التصرّف في لفظ « العلم » بحمله على الظنّ ـ كما صنعه شيخنا البهائي (١) ـ ولعلّه لتوهّم الترادف بين « الفقه » و « الاجتهاد » المأخوذ في مفهومه الاصطلاحي ـ على ما سيعلم في محلّه ـ الظنّ بالحكم الشرعي ، وهذا مع إنّه توهّم فاسد ممّا يدفعه :
أوّلا : ما سمعت سابقا من أنّ حمل « العلم » على الظنّ ممّا لا مسوّغ له من العرف واللغة ، وتنزيله على مصطلح أهل الميزان تكلّف بعيد.
وثانيا : أنّه وإن كان مجديا في حفظ الحدّ بالنظر إلى ظنّيات الفقه ، لكنّه يقضي بانتقاض عكسه بالقياس إلى قطعيّاته ، بل شكيّاته الّتي يرجع فيها إلى الاصول العامّة المقرّرة للشاكّ ، إلاّ أن يدفع ذلك بدعوى : أنّ هذا الحدّ منزّل على الغالب وغير الظنّيات نادر ، والنادر في حكم المعدوم فلا يضرّ خروجه أو بالتزام خروج ما ذكر عن المحدود فيجب خروجه عن الحدّ أيضا.
والكلّ تعسّف لا يصغى إليه بل مقطوع بفساده ، فإنّ الأوّل إنّما يستقيم إذا كان النظر في التحديد إلى الأفراد فحينئذ أمكن مراعاة ما هو الغالب وعدم الالتفات إلى النادر ، وهو على خلاف القاعدة المقرّرة المتقدّم إليها الإشارة عند دفع أوّل الإشكالين ، من أنّ التحديد إنّما هو باعتبار الماهيّة من غير نظر إلى الأفراد ، فلا يتفاوت الحال حينئذ بين الغالب والنادر ، فيكون خروج كلّ مضرّا.
والثاني خلاف طريقة القوم وتصريحاتهم ، فإنّ المعتبر في في الفقه بل العلوم بأسرها إعمال النظر في مسائلها. ومن المعلوم أنّ النظر قد يوصل إلى العلم بالمسألة ، وقد يوصل إلى الظنّ بها ، وقد لا يوصل إلى شيء ، ونحن نقطع أيضا أنّ الرجل يصدق عليه « الفقيه » في موارد قطعه وفي مجاري الاصول أيضا ، بل لو فرض اتّفاق القطع له في جميع المسائل على خلاف العادة كان فقيها وعلمه فقها ، ودعوى المرادفة بينه وبين الاجتهاد ممنوعة على مدّعيها.
__________________
(١) زبدة الاصول : ٦.