الأوّل ، لم يكن بحثا عن حال الدليل في شيء من طرفي الملازمة ـ اللازم والملزوم ـ ولا أنّ القضيّة معه مأخوذة في المباحث الاصوليّة ، وكلّ بحث عنها إذا رجع إلى الملازمة بالمعنى الثاني أو الثالث كان بحثا عن حال الدليل باعتبار أحد طرفي الملازمة وهو اللازم ، فيكون القضيّة معه من المسائل الاصوليّة وهو المعهود المتداول فيما بين أهل الفنّ المأخوذ في مباحثه كما لا يخفى على الخبير البصير.
وأمّا البحث عن حجّية الكتاب إن اريد به ما وقع بين الأخباريّين وأصحابنا المجتهدين ، فمرجعه إلى أنّ ظواهر الكتاب العزيز هل طرأها إجمال لئلاّ يجوز العمل بها وتسقط عن الحجّية الذاتيّة ، وهل طرأها منع شرعي عن العمل بها أولم يطرأها شيء من ذلك لتكون على حجّيتها الذاتيّة ، ويترتّب عليها أثر الحجّية؟وهذا أيضا بحث عن حال الدليل جدّا ، لأنّ الإجمال والبيان من عوارض الأدلّة ، وإن اريد به غير ذلك على معنى رجوع النزاع إلى الكتاب باعتبار السند بأن يرجع إنكار المنكر للحجّية إلى إنكار سند الكتاب الموجود بأيدينا ، فهذا النزاع غير معهود عن أهل هذا الفنّ ، ولا أنّ ذلك البحث مأخوذ في مباحثه ، كما لا يخفى على الخبير البصير.
نعم ربّما يبحث فيه عن قرانيّة ما قد ينقل في الشواذّ من الايات ، وهو في الحقيقة بحث عن حال الدليل أيضا ، بالتقريب المتقدّم في حجّية خبر الواحد ونحوه ، لرجوع البحث حينئذ إلى أنّ القرانيّة الّتي هي موضوع الحجّية هل تثبت بنقل الاحاد أو لا؟ ومنشأ هذا البحث ما وقع في كلامهم من أنّ القران متواتر فما نقل احادا ليس بقران.
وبما عرفت من البيان تعرف حقيقة المراد في بحث حجّية الشهرة بناء على أنّ معنى حجّيتها ـ عند قائليها بالنظر إلى الحكم الشرعي ـ حجّية المنكشف وهو الدليل المعتبر الّذي لو عثرنا عليه لعملنا به من غير تأمّل ، فيرجع البحث حينئذ إلى أنّها هل تكشف عن وجود دليل معتبر في المسألة وهل يثبت بها الدليل مستندا لها