أولا؟ ولعلّه إلى ذلك يشير ما في كلام الشهيد في الذكرى (١) عند الاستدلال على حجّية الشهرة من أنّ عدالتهم تمنع عن الاقتحام على الإفتاء بغير علم ، ولا يلزم من عدم الظفر بالدليل عدم الدليل ، خصوصا وقد تطرق الدروس إلى كثير من الأحاديث ، لمعارضة الدول المخالفة ومبائنة الفرق المنافية ... الخ. ويظهر منه انكشاف وجود ما يكون من السنّة.
ويجري نظير ذلك في مسألة حجّية القياس الّتي أنكرها أصحابنا الإماميّة ، نظرا إلى أنّ علّة الحكم الشرعي حيثما ثبت علّيتها بالقاطع فهي دليل عليه ، ولذا صار أصحابنا ـ إلاّ بعضهم ـ إلى حجّية القياس المنصوص العلّة ، فكون العلّة دليلا على الحكم ممّا لا إشكال فيه كما لا خلاف فيه ، وإنّما الخلاف بالنسبة إلى القياس المستنبط العلّة واقع في أنّ الطرق المقرّرة عند جمهور المخالفين لاستنباط العلّة هل تفيد العلّية على الاستقلال أو لا؟
وبعبارة اخرى : هل العلّة الّتي هي دليل على الحكم الشرعي تثبت بطرق الاستنباط أو لا؟ فيكون هذا أيضا بحثا عن حال الدليل ، لرجوعه إثباتا ونفيا إلى الملازمة بين الحكم العقلي بالعلّيّة بواسطة الطرق المقرّرة للاستنباط ، وبين نفس العلّة الّتي حيثما ثبتت كانت دليلا على الحكم في غير مورد النصّ ، ومعه فلا حاجة في التفصّي عن الإشكال بالقياس إلى بحثهم عن عدم حجّية القياس والاستحسان ونحوهما إلى تكلّف القول بأنّه استطرادي تتميما للمباحث ، أو أنّ المقصود من نفي كونها أدلّة انحصار « الأدلّة » في البواقي فيكون بحثا عن أحوالها ، أو أنّ المراد « بالأدلّة » ما يكون دليلا ولو عند البعض ، أو ما يحتمل عند علماء الإسلام ـ ولو بعضهم ـ أن يكون دليلا ، كما ارتكبه بعض الفضلاء (٢).
نعم ربّما يقوى في بادئ الرأي خروج بحثهم عن حجّية الظنّ المطلق وعدمها عن مباحث الفنّ ، لكون الحجّية المتنازع فيها عبارة عن الملازمة بين الظنّ ونفس
__________________
(١) ذكرى الشيعة ٥١ : ١.
(٢) الفصول : ٩.