ومن المقرّر المصرّح به في كلامهم ، أنّ بيان الموضوع ليس من العلم ، بل خارج عنه يقع فيه من باب المبادئ.
وثالثها : ما اتّفقت كلمتهم على التصريح بأنّ موضوع الفقه فعل المكلّف ، وقد أشرنا سابقا إلى أنّ موضوع العلم عبارة عن الجهة الجامعة لمسائله ، والمعتبر في الجهة الجامعة كون المسائل بأسرها واردة عليه عارضة له ولو بالواسطة ـ حسبما فصّلناه ـ لكونها عبارة عن عوارضه الذاتيّة ، فيجب أن يكون الموضوع بحيث لم يخرج عنه شيء من المسائل بعروضه لغيره ، وإلاّ لم يكن جهة جامعة ، وظاهر أنّ المسائل الّتي يكون فعل المكلّف جامعا لها على وجه لم يخرج عنه شيء ليست إلاّ الأحكام التكليفيّة ، لما عرفت من أنّ أغلب الأحكام الوضعيّة خارجة عن فعل المكلّف عارضة لغيرها ، فلو أنّها أيضا كانت من المسائل المقصودة أصالة في الفقه لوجب اعتبار الموضوع ما يعمّها بأسرها والأحكام التكليفيّة كذلك.
ويؤيّد الجميع قضاء الاعتبار بأنّ الفقهاء لمّا وجدوا أفعال المكلّفين على أنواع ، منها : ما أمر به الشارع على وجه الحتم ، ومنها : ما أمر به على وجه الندب ، ومنها : ما منع عنه على وجه الحتم ، ومنها : ما منع عنه على وجه التنزيه ، ومنها : ما سوّا فيه بين طرفي الفعل والترك ، فاضطرّوا إلى وضع فنّ يضبط فيه المصاديق المندرجة تحت الأنواع المذكورة ، فيكون بحثهم عن الوضعيّات أيضا لأجل هذا الغرض ، لا لأنّها مقصودة بالأصالة.