وثانيهما : كونه عينه ، فإذا كان الأوّل عنده أبعد يتعيّن كون الثاني هو الأقرب ، ويشهد له قوله : « فمتعلّق الأمر في الحقيقة إنّما هو الفرد الّذي يوجد منه ولو باعتبار الحصّة الّتي في ضمنه من الحقيقة الكلّية » فإنّ لفظة « لو » إذا كانت للوصل فإنّما هي للترقّي عن الفرد الظاهر القويّ إلى الفرد النادر الخفيّ على ما هو الغالب فيها ، فإذا كان القول بوجود الحصّة خفيّا في نظره بقي كون القول بالعينيّة قويّا ، لأنّ القول بعدم الوجود بالمرّة ينفيه الكلمات السابقة.
وأظهر من الجميع في إفادة هذا المعنى كلام محكيّ عنه في الحاشية المعلّقة على حكمه بكون الاستعمال في اللفظ الموضوع للمعنى الكلّي في خصوص الفرد مجازا ، عند من يزعم كون صيغة « إفعل » للقدر المشترك بين الوجوب والندب ، فقال : هذا الحكم واضح عند من لا يقول بأنّ الكلّي الطبيعي موجود بعين وجود أفراده وأمّا على هذا القول ـ وهو الأظهر ـ فوجه المجازيّة ... الخ (١).
وستقف على تمام هذه العبارة في بحث الصيغة.
وكيف كان ، فالّذي نراه حقّا على الوجه الّذي لا محيص عنه إنّما هو الوجود ، لكن لا لما يستدلّ به من أنّه جزء من هذا الحيوان الموجود وجزء الموجود موجود ، فإنّه غير خال عن المصادرة ، والّذي ينكر وجوده بالمرّة ينبغي أن ينكر جزئيّته أيضا لئلاّ يتدافع بعض كلامه بعضا ، بل لأنّ الفطن العارف إذا جانب الاعتساف ولاحظ بعين الإنصاف جميع أجزاء العالم من جواهرها وأعراضها لا يرى منها شيئا إلاّ وهو كلّي طبيعي تلبّس بلباس الوجود وماهيّة متأصّلة تحلّت بحلية التحصّل ، بل هو من الامور الحسيّة الّتي قد يلتبس أمرها على الوهم ، ويشتبه حالها على النظر السفسطي فيذهب إليه عدم كونه إلاّ أمرا اعتباريّا لا تحصل له إلاّ في الذهن ، وشيئا منتزعا ينتزعه العقل عن الأفراد الّذي لو لا انتزاعه
__________________
(١) المعالم : ٤٥ في ذيل قوله : « ... على أنّ المجاز لازم بتقدير وضعه للقدر المشترك أيضا ... ـ إلى أن قال ـ : فالمجاز لازم في غير صورة الاشتراك ... ».