لم يكن شيئا بحسب الخارج أصلا ، غفلة عن أنّ الأفراد لا تقوّم لها إلاّ به ، ولا أصل لها إلاّ هو ، ولا تتحصّل إلاّ بتحصّله ، ولنا في إثباته طريقان :
أحدهما : طريق الحسّ والوجدان.
والاخر : طريق الحدس والبرهان.
أمّا الأوّل : فلأنّا نجد بالحسّ والعيان وندرك بالضرورة والوجدان عن كلّ شخص خارجي لو قطع النظر عن جميع مميّزاته وجرّد عن كافّة عوارضه المشخّصة ، ما يكون منطبقا على الماهيّة الكلّية الصادقة على الكثيرين ، انطباقا يوجب صحّة حملها عليه ، فإنّا كما نجد منه بالحسّ ونحسّ عنه بالعيان أعراضا مخصوصة مكتنفة به مميّزة له عمّا سواه ، كذلك نجد ونحسّ منه أمرا زائدا عليها جامعا بينه وبين سائر مشاركاته.
وبالجملة ، كما ندرك من الأفراد الخارجيّة ما به امتيازها بالحسّ والعيان فكذا ندرك ما به اشتراكها بالحسّ والوجدان ، بحيث لو أخذه العقل لا بشرط شيء من مشخّصاته واعتبره معرّى عن جميع قيوده كان بعينه هو الماهيّة الكلّية الّتي يجوّز العقل صدقها على الكثيرين ، ومن أنكر ذلك فقد كذّب حسّه وكابر وجدانه فلا يلتفت إليه.
وأمّا الثاني : فلأنّ فرد الماهيّة هو الشيء الّذي طرأه الوجود في الخارج ، وظاهر أنّ الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد ، كما أنّه ما لم يوجد لم يتشخّص ، لا بمعنى أنّ الوجود والتشخّص متّحدان ذهنا وخارجا ، بل بمعنى أنّهما متغايران ذهنا متلازمان خارجا ، ولذا كان الوجود عبارة عمّا يقابله ما يناقضه وهو العدم ، والتشخّص عبارة عمّا يقابله ما يضادّه كتشخّص فرد اخر.
ومن المعلوم أنّ التشخّص أمر نسبي لا بدّ له من مشخّص ، كما أنّه لا بدّ له من متشخّص ، فهو لا يتحقّق ولا يتعقّل إلاّ بتحقّق وتعقّل منتسبيه ، المشخّص والمتشخّص ، والمشخّص للشيء مع كونه مشخّصا له قد يكون متشخّصا به ، بأن يكون كلّ منهما مشخّصا لصاحبه ومتشخّصا بصاحبه أيضا ، كما لو كانت الماهيّة