انتفاء الدلالة لمصادفة وجود المانع أو فقد الشرط. ومن المعلوم أنّ قابليّة المعنى للمدلوليّة بنفسه واستقلاله بالمفهوميّة شرط لدلالة اللفظ عليه ، فانتفاؤها في الحرف مستند إلى فقد هذا الشرط لا إلى انتفاء المقتضى.
فيضعف بنظير ما تقدّم ثمّة من أنّ العلم بمصادفة فقد الشرط ممّا يخلّ بصحّة الفعل من الحكيم ، فلا بدّ وأن يلتزم إمّا بعدم إقدام الواضع الحكيم على إيجاد الوضع رأسا ، أو بأنّه إنّما أوجده لغاية الدلالة بواسطة الغير ، وأيّا ما كان فهو التزام بخروجه عن قضيّة التعريف كما لا يخفى ، مع أنّ المقصود إصلاح التعريف على وجه يتناوله ، ولا يتأتّى ذلك إلاّ بما قرّرناه.
وأضعف منه ما قيل في الجواب أيضا : من أنّا لا نسلّم أنّ دلالة الحرف على معناه مشروطة بذكر المتعلّق ، وقول النحاة : « الحرف ما دلّ على معنى في غيره » لا يقتضي ذلك ، لجواز أن يكون المراد منه ما ذكره بعض المحقّقين منهم في بيان ذلك ، من أنّ المعنى ما دلّ على معنى ثابت في لفظ غيره ، فإنّ « اللام » في قولنا : « الرجل » مثلا يدلّ بنفسه على التعريف الّذي هو في الرجل ، و « هل » في قولنا : « هل قام زيد » يدلّ بنفسه على الاستفهام الّذي هو في جملة « قام زيد » إلى غير ذلك.
سلّمنا ذلك لكن معنى دلالة اللفظ بنفسه ، أنّ دلالته على المعنى ليست بواسطة قرينة مانعة عن إرادة المعنى الأصلي والحرف ، كذلك فإنّ ثبوت معنى الحرف في لفظ غيره مع أنّه بالبيان المذكور غير مطّرد من أصله غير معقول حتّى في المثالين المذكورين ، لوضوح أنّ التعريف من لواحق معنى اللفظ الاخر ، والّذي يجري في اللفظ هو أحكام تعريف المعنى لا أنّ نفس تلك الأحكام تعريف ، وإطلاق المعرفة على اللفظ اصطلاح لا مدخليّة لوضع الحرف باعتبار أصل اللغة فيه ، والاستفهام الّذي هو مدلول الحرف يتعلّق بمضمون الجملة ، ضرورة أنّه عبارة عن طلب الفهم التصديقي فلا يتعلّق إلاّ « بقيام زيد ».
وبما قرّرناه في وجه افتقار معنى الحرف إلى الغير ، يعلم فساد ما قيل في