وإنّما يسلّم ذلك في العلم بأصل التكليف ، وأمّا العلم بمتعلّقه فقد عرفت أنّه شرط للعلم بالامتثال ، كما أنّ الاحتياط بالجمع بين المحتملات شرط له أيضا ، فالخطاب بما لا يعلمه المكلّف من الموضوعات مع القدرة على الامتثال وإمكان العلم به ، بالفحص والسؤال أو الاحتياط بالجمع بين المحتملات ، لا تستتبع تكليف ما لا يطاق ولا محذورا اخر ، ليحكم العقل من جهته بدخول العلم في المراد.
وأمّا الثالث : فلأنّ المنساق من الأخبار المذكورة ونظائرها ، إنّما هو العلم بأصل التكليف الحاصل في مفروض المسألة تفصيلا أو إجمالا ، لا العلم بمتعلّقه كما هو واضح.
فالإنصاف ومجانبة الاعتساف ، أنّ العلم كما لا يدخل في مداليل الألفاظ في لحاظ الوضع ، فكذلك لا يدخل فيها في لحاظ الخطاب ، فالقولان بدخوله فيها على أحد الوجهين في الضعف سيّان ، فممّا بيّنّاه يظهر أنّه لا يجدي ما عن بعضهم في إصلاح القول بدخول العلم فيها من تنزيل الخلاف المشهور إلى ما تعلّق به الخطاب الشرعي من الموضوعات ، يزعم كون دخول العلم في مدلولات الألفاظ بحسب الوضع ـ حتّى يكون « الفاسق » اسما لمن علم فسقه و « المؤمن » لمن علم إيمانه وهكذا ـ ممّا لا يقبل النزاع ، ولا يصلح مطرحا للأنظار ، تعليلا : بأنّ عدم مدخليّة العلم في وضع الواضع ظاهر كالشمس ، وإنّما الخلاف فيما تعلّق به الحكم ولم يقدر المكلّف بعد الفحص والبحث على أن يعلمه ، واستظهر حينئذ عدم تعلّق الخطاب به لأصالة البراءة واشتراط التكليف بالعلم ، فإذا تفحّص ولم يعلم حاله يكون خارجا عن الخطاب ، ويتوقّف حكمه على خطاب اخر ، فمن شكّ في أنّه مستطيع إذا لم يقدر على تقويم ماله لعدم المقوّم ونحوه فلا تكليف له ، وكذا من لم يقدر على معرفة المسافة فلا يدخل تحت حكم القصر ، وفي اية النبأ يلحق المجهول حاله بالفاسق للعلّة المنصوصة الّتي هي خطاب اخر لاشتراكهما فيها ، وفي الحلال والحرام يلحق مجهول الحال بالمباح لقولهم عليهمالسلام : « كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه » (١) انتهى.
__________________
(١) المحاسن : ٤٩٥.