الوضع ، إلاّ أنّه يدخل فيها في لحاظ الخطاب ، وهذا أيضا ضعيف ، لأنّ وضع الألفاظ بازاء الامور الواقعيّة يقتضي ظهورها فيها مطلقا حتّى في حيّز الخطابات الشرعيّة ، وانصرافها فيها إلى المعلومات لا بدّ له من موجب ، وهو إمّا العرف على معنى كون المنساق منها حينئذ هو الامور المعلومة لشاهد عرفي ، أو العقل بتوهّم كون الخطاب بغير المعلوم تكليفا بغير المقدور ، أو الشرع بزعم أنّ المستفاد من قوله عليهالسلام : « الناس في سعة ما لم يعلموا » (١) أو « ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم » (٢) ونحو ذلك من عمومات البراءة ، كون التكاليف معلّقة على المعلومات ، ولا سبيل إلى شيء من ذلك.
أمّا الأوّل : فلأنّ انسباق الامور المعلومة عرفا إمّا لطروّ الوضع الجديد العرفي بإزائها.
فيدفعه : بعد الأصل ، كون الوضع الجديد مقطوعا بعدمه ، بعين ما مرّ في نفي الوضع اللغوي.
أو لغلبة إطلاقها في خطابات العرف أو خطابات الشرع عليها.
فيدفعه : أنّ هذه الغلبة ممّا لا أثر له في شيء من الألفاظ بحسب العرف ولا بحسب الشرع ، أو لنهوض الخطاب المتضمّن للتكليف بنفسه قرينة على إرادتها ، فيدفعه : انّ الخطاب ومضمونه لا يعاند الامور الواقعيّة حتّى ينهض صارفا للألفاظ الدالّة عليها إلى المعلومات.
بل الظاهر المنساق منها في الخطابات العرفيّة ليس إلاّ الامور الواقعيّة ، كما يرشد إليه التزامهم عند الجهل بالفحص والسؤال أو الاحتياط بالجمع بين المحتملات ، حتّى إنّ المأمور الجاهل لو ترك الامتثال بترك الأمرين مع إمكانهما أو إمكان أحدهما كان مذموما ، ولم يكن عذره بجهله مقبولا ، وطريقة الشارع في خطاباته أيضا طريقة العرف.
وأمّا الثاني : فلأنّه إنّما يصحّ لو كان العلم من شرائط القدرة على الامتثال ،
__________________
(١) المحاسن : ٤٥٢.
(٢) التوحيد : ٤١٣.