وَخَصَصْتَ هذَا الشَّهْرَ بِيَوْمِ الْمُباهِلَةِ ، الَّذِي اظْهَرْتَ حُجَّةَ الإِيمانِ عَلَى الْكُفْرِ إِظْهاراً مُبِيناً ، وَوَهَبْتَ لِلَّذِينَ باهَلْتَ بِهِمْ مَقاماً مَكِيناً.
وَاوْدَعْتَ فِي هذا الشَّهْرِ مِنَ الأَسْرارِ وَالْمَبارِّ ما يَأْتِي ذِكْرُ بَعْضِهِ بِصَحِيحِ الأَخْبارِ وَصَرِيحِ الاعْتِبارِ ، وَجَعَلْتَهُ تَسْلِيَةً عَمّا يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ شَهْرِ الامْتِحانِ ، فَبَدَأْتَ بالإِحْسانِ وَالامْتِنانِ قَبْلَ التَّشْرِيفِ بِالرِّضا بِالْبَلْوى الزَّائِدَةِ فِي جِهادِ اهْلِ الْعُدْوانِ.
اللهُمَّ فَكَما عَرَّفْتَنا بِشَرَفِ هذِهِ الْعَوائِدِ وَدَعَوْتَنا الَى الضِّيافَةِ الى مُقَدَّسِ تِلْكَ الْمَوائِدِ ، فَطَهِّرْنا تَطْهِيراً نَصْلَحُ بِهِ لِمُوافَقَةِ اهْلِ الطَّهارَةِ وَمُرافَقَةِ فَضْلِ الْبِشارَةِ.
وَهَبْ لَنا فِيهِ ما يَعْجُزُ مِنْهُ مَنْطِقُ اهْلِ الْعِبارَةِ ، وَلِيَكُونَ فَوائِدُ رَحْمَتِكَ وَمَوائِدُ ضِيافَتِكَ صافِيَةً مِنَ الأَكْدارِ ، وَمَصُونَةً عَنْ خَطَرِ الْآصارِ (١) ، وَمُناسِبَةً لِابْتِدائِكَ بِالنَّوالِ (٢) قَبْلَ السُّؤَالِ.
وَابْدَأْ فِي ذلِكَ بِمَنْ يَسْتَفْتِحُ بِالْبِدايَةِ أَبْوابَ الْفَلاحِ وَالنَّجاحِ ، وَاشْرِكْ مَعَنا مَنْ يُعِيننا امْرُهُ ، وَاجْمَعْ قُلُوبَنا عَلَى الصَّلاحِ ، بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
فصل (٢)
فيما نذكره في كيفية الدّخول في شهر ذي الحجّة
قد ذكرنا ونذكر من جلالة هذا الشّهر وإقباله وقبوله ما ينبّه على تعظيم دخوله ، وقد قدّمنا في شهر رجب وشوّال وذي القعدة ما هو كالذّخيرة والعدّة ، ونزيد هاهنا بأن نقول :
انّك تدخل في هذا الشهر إلى موائد قوم أطهار وفوائد ديوان مطّلع على الأسرار ، فتطهّر من دنس المعاتبات ونجس المعاقبات ، وتفقّد جوارحك من الأقذار قبل التهجّم
__________________
(١) الآصار جمع الإصر ، بمعنى الذنب والعقوبة ، وكلاهما يناسب المقام.
(٢) النّوال : العطاء.