ظهر انّه يوم سعيد ، دعا الله جلّ جلاله عباده فيه إلى تحميده وتمجيده ، ووعدهم بإطلاق عامّ لجودة وإنجاز وعوده ، ووعد فيه بغفران الذّنوب وستر العيوب وتفريج الكروب ، وإذن للمقبل عليه والمعرض عنه في الطلب منه.
وقدّمنا انّ كلّ وقت اختاره الله جلّ جلاله لمناجاته وإطلاق مواهبه وصلاته ، فينبغي ان يعرف جليل قدره ، ويقام لله جلّ جلاله بما يقدر العبد عليه من حمده وشكره ، وهذا اليوم كالمتعيّن للحاجّ إلى الله جلّ جلاله بقصد بيته الحرام.
وانّما روينا عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ، انّ الحضور عند الحسين عليهالسلام للزّيارة والدعاء في اليوم المذكور يقوم مقام الدعاء بعرفة مع تعذّر ذلك الحضور (١) ، وعرفنا رواية وعملا بفضل الله جلّ جلاله بإطلاق عباده في طلب إرفاده اين كانوا من بلاده.
فصل (١٥)
فيما نذكره من الاهتمام بالدلالة على الإمام يوم عرفة عند اجتماع الأنام ، لأجل حضور الفرق المختلفة من أهل الإسلام
اعلم انّ الإشارات إلى الأئمّة أوقات يوم عرفة من المهمات ، لما رويناه عن الثقات من كتاب الحجّ لمحمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، قال :
رأيت أبا عبد الله عليهالسلام يوم عرفة بالموقف وهو ينادي بأعلى صوته : يا أيّها الناس انّ رسول الله كان الامام ، ثم كان علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم هه ، فنادى ثلاث مرّات بين يديه ، وعن يمينه وعن يساره ، وعن خلفه اثني عشر صوتا.
قال عمرو : فلمّا أتيت منى سألت أصحاب العربيّة عن تفسير « هه » ، فقالوا : لغة
__________________
(١) روى ابن قولويه في الكامل : ١٧٠ ، والصدوق في ثواب الأعمال ٨١ ، وفي معاني الأخبار : ٣٩١ ، الفقيه ١ : ١٨٣ ، والشيخ في مصباحه : ٤٩٧ ، التهذيب ٦ : ٥٠ ، عن الصادق عليهالسلام روايات بهذا المضمون.