يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلاّمة الفاضل ، رضي الدين ركن الإسلام ، أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس قدّس الله روحه ونوّر ضريحه :
وحيث قد ذكرنا آيات براءة ، فينبغي ان نذكر بعض ما رويناه من شرح الحال :
فمن ذلك ما رواه حسن بن أشناس رحمهالله ، قال : حدثنا ابن أبي الثلج الكاتب ، قال : حدثنا جعفر بن محمد العلوي ، قال : حدثنا علي بن عبدل الصوفي ، قال : حدثنا طريف مولى محمد بن إسماعيل بن موسى وعبيد الله (١) بن يسار ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الهمداني ، وعن جابر ، عن أبي جعفر ، عن محمد بن الحنفيّة ، عن علي عليهالسلام : انّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا فتح مكّة أحبّ ان يعذر إليهم وان يدعوهم الى الله عزّ وجل أخيرا كما دعاهم أوّلا ، فكتب إليهم كتابا يحذّرهم بأسه وينذرهم عذاب ربّه ، ويعدهم الصفح ويمنّيهم مغفرة ربّهم ، ونسخ لهم أوّل سورة براءة ليقرأ عليهم ، ثم عرض على جميع أصحابه المضيّ إليهم ، فكلّهم يري فيه التثاقل ، فلمّا رأى ذلك منهم ندب (٢) إليهم رجلا ليتوجّه به.
فهبط إليه جبرئيل عليهالسلام فقال : يا محمد انّه لا يؤدّي عنك الاّ رجل منك ، فانبأني رسول الله صلىاللهعليهوآله بذلك ووجّهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكة ، فأتيت مكّة ـ وأهلها من قد عرفت ليس منهم أحد الاّ ان لو قدر ان يضع على كل جبل مني اربا (٣) لفعل ، ولو ان يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله.
فابلغتهم رسالة النبي صلىاللهعليهوآله وقرأت كتابه عليهم ، وكلّهم يلقاني بالتهديد والوعيد ، ويبدي البغضاء ويظهر لي الشحناء (٤) من رجالهم ونسائهم ، فلم يتسنى (٥) ذلك
__________________
(١) في البحار : عبيد.
(٢) ندب فلانا للأمر أو إلى الأمر : دعاه ورشّحه للقيام به وحثه عليه.
(٣) الارب : العضو.
(٤) الشحناء : العداوة امتلأت منها النفس.
(٥) مأخوذ من التواني كما في قوله تعالى مخاطبا لموسى وهارون عليهماالسلام : « ولا تنيا في ذكري ».