فقد مضى معاوية بكلّ جدٍّ ليحبك الأمر ويدبّره بطريقة يخدع بها الاُمّة ، بل يقهرها على قبول البيعة ليزيد ؛ من هنا بادر إلى قتل الإمام الحسن السّبط عليهالسلام وخيار المؤمنين في خطوة اُولى ، ليرفع بذلك أهمّ الموانع التي كانت تحول بينه وبين تنفيذ خطّته.
على أنّ أصحاب النفوس الرذيلة والمطامع الدنيوية على استعداد تام لبلوغ أتفه المطامع من أيّ طريق كان. فقد روي أنّ المغيرة بن شعبة ـ الذي كان والياً من قبل معاوية على الكوفة ـ علم بأنّ معاوية ينوي عزله ، فأسرع إلى نسج خيوط مؤامرة جلبت الويلات على الاُمّة الإسلاميّة ، وليكون بذلك سمساراً يصافق على ما لا يملك ؛ إذ همس في أذن يزيد يمنّيه بخلافة أبيه ، ويزيّن له الأمر ويسهّله. ووجد معاوية أنّ خطّة شيطانية يمكن أن يكون المغيرة عاملاً لتنفيذها (١) ، فسأله مخادعاً : ومَنْ لي بهذا؟ فردّ عليه المغيرة : أكفيك أهل الكوفة ، ويكفيك زياد أهل البصرة ، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك. وهكذا قبض المغيرة على ربح عاجل لصفقة مؤجّلة ، ورجع إلى الكوفة بكلّ قوّة لينفّذ الخطّة ، وهو يقول : لقد وضعت رِجل معاوية في غرز بعيد الغاية على اُمّة محمّد (٢).
ورفض زياد بن أبيه هذه الخطّة الخبيثة ؛ ولعلّه لما كان يلمسه من رذائل في شخصية يزيد بحيث تجعله غير صالح لزعامة الاُمّة. وقد أثارت هذه الخطّة مطامع أطراف اُخرى من بني اُميّة ، فمدّ كلّ من مروان بن الحكم وسعيد بن عثمان بن عفان عنقه لذلك (٣).
__________________
(١) الكامل في التأريخ ٣ / ٢٤٩ ، وتأريخ اليعقوبي ٢ / ١٩٥ ، والإمامة والسّياسة ٢ / ٢٦٢.
(٢) الكامل في التأريخ ٣ / ٢٤٩.
(٣) وفيات الأعيان ٥ / ٣٨٩ ، والإمامة والسّياسة ١ / ١٨٢ ، وتأريخ اليعقوبي ٢ / ١٩٦.