نُشرت ألف مرّة وأنّ الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن نفس هؤلاء الفتيان من إخوانك وولدك وأهل بيتك.
وتكلّم بقيّة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً وقالوا : أنفسنا لك الفداء ، نقيك بأيدينا ووجوهنا ، فإذا نحن قُتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربّنا ، وقضينا ما علينا» (١).
وأمر الحسين عليهالسلام أصحابه أن يُقرّبوا بين بيوتهم ، ويُدخلوا الأطناب بعضها في بعض ، ويكونوا بين يدي البيوت ؛ كي يستقبلوا القوم من وجه واحد ، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفّت بهم إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم.
وقام الحسين عليهالسلام وأصحابه الّليل كلّه يُصلّون ويستغفرون ويدعون ، وباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد ، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً.
قال بعض أصحاب الحسين عليهالسلام : مرّت بنا خيل لابن سعد تحرسنا ، وكان الحسين عليهالسلام يقرأ : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) ، فسمعها رجل من تلك الخيل يُقال له : عبد الله بن سمير ، فقال : نحن وربّ الكعبة الطيّبون ميّزنا منكم. فقال له برير بن خضير : يا فاسق ، أنت يجعلك الله من الطيبين؟! فقال له : مَنْ أنت ويلك؟! قال : أنا برير بن خضير. فتسابّا ، فلمّا كان وقت السّحر خفق الحسين عليهالسلام برأسه خفقة ثمّ استيقظ ، فقال : «رأيت كأنّ كلاباً قد جهدت تنهشني ، وفيها كلب أبقع رأيته أشدّها عليّ ، وأظنّ أنّ الذي يتولّى قتلي رجلٌ أبرص» (٢).
__________________
(١) الإرشاد ٢ / ٩٣.
(٢) راجع أعيان الشّيعة ١ / ٦٠١.