فبدأ الهجوم والزحف نحو مَنْ بقي مع الحسين عليهالسلام ، وأحاطوا بهم من جهات متعدّدة ، مستخدمين كلّ أدوات القتل وأساليبه الدنيئة حتّى قتلوا أكثر جنود المعسكر الحسيني من الصحابة.
وزالت الشّمس وحضر وقت الصلاة ، وها هو الحسين عليهالسلام ينادي للصّلاة ، وقد تحوّل الميدان عنده محراباً للجهاد والعبادة ، ولم يكن في مقدور السّيوف والأسنّة أن تحول بينه وبين الحضور في ساحة المناجاة والعروج إلى حظائر القدس وعوالم الجمال والجلال.
ولم يزل يتقدّم رجل رجل من أصحابه فيقتل حتّى لم يبقَ مع الحسين عليهالسلام إِلاّ أهل بيته خاصّةً ؛ فتقدّم ابنه عليّ بن الحسين عليهالسلام ـ واُمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثّقفيّ ـ وكان من أصبح النّاس وجهاً ، فشدَّ على النّاس وهو يقول :
أنا عليُّ بن الحسين بن علي |
|
نحن وبيت الله أولى بالنَّبي |
تالله لا يحكم فينا ابنُ الدَّعي
ففعل ذلك مراراً وأهل الكوفة يتَّقون قتله ، فبصر به مرّة بن منقذ العبديّ فقال : عليَّ إثم العرب إن مرَّ بي يفعل مثل ذلك إن لم أثكل أباه. فمرَّ يشدُّ على النّاس كما مرَّ في الأوّل ، فاعترضه مرّة بن منقذ فطعنه فصُرع ، واحتوشه القومُ فقطّعوه بأسيافهم ، فجاء الحسين عليهالسلام حتّى وقف عليه فقال : «قتل الله قوماً قتلوك يا بُنيَّ ، ما أجرأَهم على الرّحمن وعلى انتهاك حرمة الرّسول!». وانهملت عيناه بالدُّموع ، ثمّ قال : «على الدُّنيا بعدك العفا!». وخرجت زينب أخت الحسين مسرعةً تنادي : يا أُخيّاه وابن أُخيّاه ، وجاءت حتّى أكبّت عليه ، فأخذ الحسينُ برأسها فردَّها إلى الفسطاط ، وأمر فتيانه فقال : «احملوا أخاكم». فحملوه حتّى وضعوه بين يدي الفسطاط الّذي كانوا يقاتلون أمامه.