فامتلأت القلنسوة دماً ، فقال له الحسين عليهالسلام : «لا أكلت بيمينك ولا شربت بها ، وحشرك الله مع القوم الظالمين».
ثمّ ألقى القلنسوة ودعا بخرقة فشدَّ بها رأسَه ، واستدعى قلنْسوة اُخرى فلبسها واعتمّ عليها ، ورجع عنه شمر بن ذي الجوشن ومَنْ كان معه إلى مواضعهم ، فمكث هنيئة ثمّ عاد وعادوا إليه وأحاطوا به (١).
حمل الإمام الحسين عليهالسلام سيفه وراح يرفع صوته على عادة الحروب ونظامها في البراز ، وراح ينازل فرسانهم ، ويواجه ضرباتهم ببسالة نادرة وشجاعة فذّة ، فما برز إليه خصم إلاّ وركع تحت سيفه ركوع الذلّ والهزيمة.
قال حميد بن مسلم : فوالله ، ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه! أَن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدَّ عليها بسيفه فتنكشف عن شماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب (٢).
ولمّا عجزوا عن مقاتلته لجأوا إلى أساليب الجبناء ؛ فقد استدعى شمر الفرسان فصاروا في ظهور الرجّالة ، وأمر الرماة أنْ يرموه ، فرشقوه بالسّهام حتّى صار جسمُه كالقنفذ فأحجم عنهم ، فوقفوا بإزائه ، وخرجت أُخته زينب إلى باب الفسطاط فنادت عمر بن سعد بن أبي وقاص : ويلك يا عمر! أيُقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! فلم يجبها عمر بشيء ، فنادت : ويحكم! أما فيكم مسلم؟! فلم يجبها أحد بشيء ، ونادى شمر بن ذي الجوشن الفرسان والرجّالة فقال : ويحكم! ما تنتظرون بالرجل؟ ثكلتكم أُمهاتكم! فحملوا عليه من كلّ جانب.
فضربه زُرعة بن شريك على كتفه اليسرى فقطعها ، وضربه آخر منهم على عاتقه فكبا منها لوجهه ، وطعنه سنان بن أنس النخعي بالرمح فصرعه ،
__________________
(١) الإرشاد ٢ / ١١٠ ، إعلام الورى ١ / ٤٦٧.
(٢) الإرشاد ٢ / ١١١ ، إعلام الورى ١ / ٤٦٨.