ولقد وصف الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام هذه المرحلة ، وهو الذي آثر مصلحة الدين والاُمّة على حقّه الخاصّ في الزعامة ، فصبر صبراً مُرّاً حتّى قال :
فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهباً ، حتّى مضى الأوّل لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده ، فصيّرها في حوزة خشناء ؛ يغلظ كلمها ، ويخشن مسّها ، ويكثر العثار فيها ، فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة ، حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم ، فيا لله وللشورى! متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت اُقرن إلى هذه النظائر؟! (١).
وازدادت محنة أهل البيت عليهمالسلام ، وتضاعفت مهمّتهم صعوبةً ، وهم يواجهون عصراً جديداً من الانحراف بالخلافة ، وهو عصر يتطلّب جهوداً أضخم ، وسعياً أكبر ؛ لكي لا تضيع الاُمّة والرسالة ، ولكنّ لوناً متميزاً من المعاناة القاسية بدأ واضحاً يصبغ حياة الاُمّة الإسلاميّة ، فإنّ خيار رجالها من صحابة رسول الله صلىاللهعليهوآله يُهانون ويُضربون ويُنفون ، في الوقت الذي تتسابق على مراكز الدولة شرارها من الطلقاء وأبنائهم تحت ظلّ ضعف عثمان وجهله بالاُمور أحياناً ، وعصبيّته القبليّة الاُمويّة أحياناً اُخرى (٢).
وعاش الحسين عليهالسلام معاناة الاُمّة وهي تنتفض على فساد حكم عثمان في مخاض عسير ، فتمتدّ الأيادي المظلومة لتزيح الخليفة الحاكم بقوّة السّيف.
وفي خطبة الإمام عليّ عليهالسلام المعروفة بالشقشقيّة ، والتي وصف فيها محنة الاُمّة بتولّي الخلفاء الثلاثة دفّة الحكم قبله تصويراً دقيقاً لما جرى في حكم عثمان بن عفّان ؛ إذ قال عليهالسلام :
__________________
(١) نهج البلاغة / الخطبة الشقشقية.
(٢) تاريخ الخلفاء / ٥٧.