الإسلام والمسلمين. فرأى عثمان أنّ خير وسيلة للتخلّص من معارضة أبي ذر هي نفيه إلى جهة نائية لا سكن فيها ، فأمر بإبعاده إلى الربذة موعزاً إلى مروان بن الحكم بأن يمنع المسلمين من مشايعته وتوديعه ، ولكنّ أهل الحقّ أبوا إلاّ مخالفة عثمان ، فقد انطلق لتوديعه ـ بشكل علني ـ الإمام علي عليهالسلام والحسنان عليهماالسلام ، وعقيل وعبد الله بن جعفر وعمّار بن ياسر رضياللهعنهم. وقد نقل المؤرّخون كلمات حكيمة وساخنة للمودّعين استنكروا خلالها الحكم العثماني الجائر ضدّه. وقد جاء في كلمة الإمام الحسين عليهالسلام ما نصّه :
يا عمّاه ، إنّ الله تبارك وتعالى قادر أن يغيّر ما قد ترى ، إنّ الله كلّ يوم هو في شأن ، وقد منعك القوم دنياهم ، ومنعتهم دينك ، فما أغناك عمّا منعوك ، وأحوجهم إلى ما منعتهم؟ فاسأل الله الصبر ، واستعذ به من الجشع والجزع ، فإنّ الصبر من الدين والكرم ، وإنّ الجشع لا يقدّم رزقاً ، والجزع لا يؤخّر أجلاً (١).
وبكى أبو ذر بكاءً مرّاً ، فألقى نظرة الوداع الأخيرة على أهل البيت عليهمالسلام الذين أخلص لهم الودّ وأخلصوا له ، وخاطبهم بقوله :
«رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة ، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم ، إنّي ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشّام ، وكره أن اُجاور أخاه وابن خاله بالمصرين ، فاُفسد النّاس عليهما ، فسيّرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلاّ الله ، والله ما اُريد إلاّ الله صاحباً ، وما أخشى مع الله وحشة» (٢).
__________________
(١) بحار الأنوار ٢٢ / ٤١٢ ، وراجع مروج الذهب ٢ / ٣٥٠.
(٢) المصدر السابق.