احتج في (المختلف) أيضا على ذلك بأن اجتناب النجس واجب قطعا ، وهو لا يتمّ إلّا باجتنابهما معا ، وما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب (١). واعترضه بأن (اجتناب النجس لا يقطع بوجوبه إلّا مع تحققه بعينه لا مع الشكّ فيه ، واستبعاد سقوط حكم هذه النجاسة شرعا إذا لم يحصل المباشرة بجميع ما وقع فيه الاشتباه غير ملتفت إليه. وقد ثبت نظيره في حكم واجدي المني في الثوب المشترك ، واعترف به الأصحاب في غير المحصور أيضا ، والفرق بينه وبين المحصور غير واضح عند التأمل) (٢) انتهى.
وقد تقدّمه في هذا الكلام شيخه المولى الأردبيلي قدسسرهما (٣) ، وقد جرى على هذا المنوال جملة ممن تأخّر عنهما (٤) ، وحيث إن المسألة المذكورة ممّا لم يعطها حقها من التحقيق أحد من الأصحاب ، ولم يميز القشر منها من اللباب مع تكثر أفرادها في الأحكام ودورانها في كلام علمائنا الأعلام ، فحريّ بنا أن نبسط فيها الكلام بما يقشع عنها غياهب الظلام ، ونبيّن ما في كلام هؤلاء الأعلام من سقوط ما اعترضوا به في المقام ، فنقول :
أولا : لا يخفى على من مارس الأحكام ، وخاض في تيّار ذلك البحر القمقام أن القواعد الكليّة الواردة عنهم عليهمالسلام (٥) في الأحكام الشرعية كما تكون باشتمال القضية على سور الكلية ، كذلك تحصل بتتبع الجزئيات الواردة عنهم عليهمالسلام ، كما في القواعد النحوية ، وما صرّح به الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ في حكم
__________________
(١) مختلف الشيعة ١ : ٨١ / المسألة : ٤٣ ، وقد ذكر الحكم دون العلّة ، وهي مذكورة في مدارك الأحكام ١ : ١٠٧.
(٢) مدارك الأحكام ١ : ١٠٧ ـ ١٠٨.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٨٢ ، وفيه القول بالاحتياط دون الوجوب.
(٤) ذخيرة المعاد : ١٣٨.
(٥) في «ق» بعدها : كما في القواعد النحوية ، وما أثبتناه وفقا لـ «ح».