نعم ، للقائل أن يقول : إذا ثبت ذلك للإمام الأصل ثبت لنائبه بحق النيابة ، إلّا إنه لا يخلو من شوب الإشكال وقيام الاحتمال أيضا ؛ لعدم الوقوف على دليل لهذه الكلية ، وظهور وجود أفراد كثيرة يختصّ بها الإمام دون نائبه.
وأما باقي الأخبار الواردة في المسألة فهي وإن كانت مطلقة إلّا إنه يمكن حملها على المقيّد التي تقدّم بعضها.
وبالجملة ، فالمسألة عندي موضع توقف وإشكال ؛ لعدم الدليل الواضح في وجوب الأخذ بحكم الحاكم بحيث يشمل موضع النزاع. ثم أنت خبير أيضا بأنّه بمقتضى ما ذكروه من العموم أنه لو ثبت عند الحاكم بالبيّنة نجاسة الماء أو حرمة اللحم ، ولم يثبت عند المكلف لعدم سماعه من البيّنة مثلا ، فإن تنجيس الأول وتحريم الثاني بالنسبة إليه بناء على وجوب الأخذ عليه بحكم الحاكم ينافي الأخبار الدالة على : «أن كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» (١) ، و «كل شيء فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال حتى تعلم الحرام بعينه فتدعه» (٢) ، حيث لم يجعلوا من طرق العلم في القاعدتين المذكورتين حكم الحاكم بذلك ، وإنما ذكروا أخبار المالك وشهادة الشاهدين. وعلى ذلك تدلّ الأخبار أيضا.
وظاهر كلامهم هو شهادتهما عند المكلف وسماعه منهما ؛ ولهذا أن بعضهم اكتفى هنا بالعدل الواحد كما تقدم بيانه في الدرة الأولى من درر هذا الكتاب (٣).
وممّا يدل على أن المدار إنما هو على سماع المكلف من الشاهدين ، قول
__________________
(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ / ٨٣٢ ، وسائل الشيعة ٣ : ٤٦٧ ، أبواب النجاسات ، ب ٣٧ ، ح ٤ ، وفيهما : «نظيف» بدل : «طاهر».
(٢) الكافي ٥ : ٣١٣ / ٣٩ ، باب نوادر كتاب المعيشة ، الفقيه ٣ : ٢١٦ / ١٠٠٢ ، وسائل الشيعة ١٧ : ٨٩ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤ ، ح ٤.
(٣) انظر الدرر ١ : ٦٣ ـ ٧٥.