الخطبة في الكتابين المذكورين إلى أن قال ـ : قال عليهالسلام : «فانظر أيها السائل ما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به واستضئ بنور هدايته ، وما كلفك الشيطان علمه ممّا ليس في الكتاب عليك فرضه ولا في سنة النبي صلىاللهعليهوآله وأيمة الهدى أثره فكل علمه إلى الله سبحانه ؛ فإن ذلك مقتضى حق الله عليك.
واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن اقتحام السّدد المضروبة دون الغيوب ، والإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا. فاقتصر على ذلك ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين» (١).
وأما ما ذكره المحقّق الفيلسوف الشيخ ميثم البحراني قدسسره في شرح كتاب (نهج البلاغة) ممّا يدلّ على أن الأمر بالوقوف (٢) على ظاهر الشريعة إنما (٣) هو مخصوص بضعفة العقول ، وإلّا فمتى عرفوا من أحد قوة الاستعداد ألقوا إليه من الأسرار الدالة على منازل السلوك (٤) إلى آخر كلامه ، ففيه :
أولا : أن الذي وصل إلينا من أخبارهم ينافي ذلك وإن اشتهر بين متكلمي أصحابنا القول بما ذكره قدسسره ، إلّا إن الأخبار مستفيضة بل متواترة معنى بالردع عن الخوض في الكلام والتكلم في ذاته سبحانه والوقوف على ما جاءت به الشريعة المطهّرة كتابا وسنّة.
ومن أظهر ذلك ما رواه في (التوحيد) عن الرضا عليهالسلام من أنه كتب إليه بعض الشيعة يسأله أنه قد روي عن أبي عبد الله عليهالسلام النهي عن الكلام ، فتأوله بعض
__________________
(١) نهج البلاغة : ١٤٩ ـ ١٥٠ / الخطبة : ٩١.
(٢) من «ح» ، وفي «ق» : الوقوف.
(٣) من «ح» ، وفي «ق» : اما.
(٤) شرح نهج البلاغة ٢ : ٣٣٦ ، اختيار مصباح السالكين : ٢١٩.