أنه من أولي تلك العقول والألباب ، والخروج عن جادة هذه الأخبار.
فكم رأينا من ولج في هذا الباب بمجرد ظنه وزعمه أنه من اولئك المذكورين ، فزلت قدمه عن الطريق المستقيمة ، وزاغ بصر بصيرته عن المناهج القويمة ، كما وقع من الجماعة المعروفين بالصوفية (١) وما خرجوا به عن جادة الشريعة المطهرة كما لا يخفى على من أحاط خبرا باصولهم وعقائدهم الخبيثة الباطلة ، كما أوضحناه في رسالتنا التي في الردّ على بعض علمائهم.
وثالثا : أنّه بمقتضى كلام هذا القائل أن من علم بعض تلك الأسرار إنما علمها بتعليمهم وإفادتهم إياه لا بمجرد عقله وفكره ، وهو ممّا لا نزاع فيه ولا إشكال يعتريه ، ويعضده قول الصادق عليهالسلام لمّا قال له السائل : سمعتك تنهى عن الكلام ، وتقول : «ويل لأهل الكلام» ، فقال : «إنما أعني : ويل لهم إن ذهبوا إلى ما يقولون وتركوا ما أقول» (٢).
وإلى أصحاب الدرجة العليا من هذه المرتبة يشير ما ورد عنه صلىاللهعليهوآله (٣) : «من عرف الله وعظمه ، منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام وعفى نفسه بالصيام والقيام».
قالوا : بآبائنا وامّهاتنا يا رسول الله ، هؤلاء أولياء الله. قال : «إنّ أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم فكرا (٤) ، وتكلموا فكان كلامهم ذكرا (٥) ، ونظروا فكان نظرهم عبرة ، ونطقوا فكان نطقهم حكمة ، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة. لو لا الآجال التي قد كتبت عليهم لم تقر أرواحهم في أجسادهم خوفا من العذاب وشوقا إلى الثواب» (٦).
__________________
(١) انظر حلية الأولياء ١٠ : ٣٣ ـ ٤١.
(٢) الكافي ١ : ١٧١ / ٤ ، باب الاضطرار إلى الحجّة ، وفيه : قلت ، بدل : أعني ، مع تقديم وتأخير فيه.
(٣) في «ح» بعدها : من قوله.
(٤) في المصدر : ذكرا.
(٥) وتكلموا فكان كلامهم ذكرا ، ليس في المصدر.
(٦) الكافي ٢ : ٢٣٧ / ٢٥ ، باب المؤمن وعلاماته وصفاته.