أقول : وهؤلاء هم أصحاب الرياضات والمجاهدات ، والزهد في الدنيا والعبادات (١) ، وهم المشار إليهم فيما استفاض من الأخبار في وصف الشيعة من أنهم ذبل الشفاه من الظماء ، عمش العيون من البكاء ، خمص البطون من الطوى ، أهل رأفة وعلم وحلم ، إذا جنّهم الليل استقبلوه بحزن (٢). وهؤلاء هم الذين وصفهم أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ في حديث همام المشهور (٣).
وروى في (الكافي) عن إسحاق بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : «إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله صلى بالناس الصبح فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفرّا لونه قد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : كيف أصبحت يا فلان؟ قال : أصبحت يا رسول الله موقنا. فعجب رسول الله صلىاللهعليهوآله من قوله ، وقال له : إن لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال : إن يقيني يا رسول الله ، هو الذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري ، فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها حتى كأني أنظر إلى عرش ربي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتنعمون وعلى الأرائك متكئون ، وكأني أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذبون مصطرخون. وكأني الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لأصحابه : هذا عبد نوّر الله قبله بالإيمان (٤)) (٥) الحديث.
وروى بهذا المضمون أيضا حديثا آخر عنه صلىاللهعليهوآله مع حارثة بن مالك بن النعمان الأنصاري (٦).
__________________
(١) أي وأصحاب العبادات.
(٢) انظر الكافي ٢ : ٢٣٣ / ١٠ ، باب المؤمن وعلاماته وصفاته ، بالمعنى.
(٣) انظر الكافي ٢ : ٢٢٦ ـ ٢٣٠ / ١ ، باب المؤمن وعلاماته وصفاته.
(٤) في «ح» : بالايمان قلبه ، بدل : قبله بالإيمان.
(٥) الكافي ٢ : ٥٣ / ٢ ، باب حقيقة الإيمان واليقين.
(٦) الكافي ٢ : ٥٤ / ٣ ، باب حقيقة الإيمان واليقين.