(وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (١) ، وابتلاؤهم بمجاهدة الشيطان الغرور الذي قد استوطن منهم الصدور ، وجرى مجرى الدم في أبدانهم ، فلا انفكاك لهم منه في ورود ولا صدور. وقصارى أمرهم ـ إن ساعد التوفيق الرباني ـ الخلاص من مكائد ذينك العدوين ، والنجاة من شباكهما المنصوبة رأي العين ، فلم يبلغوا أهلية هذه المرتبة المذكورة.
وهي ـ كما عرفت ـ لا تحصل بمجرد الكدح والطلب ، ولا الوراثة من الجد والأب ؛ فإنها قميص لم يفصّل على كل ذي قد ، ولا ينال بشرف الأب والجد ، بل العمدة في حصولها هو ما قدّمناه في صدر الكلام ؛ فلذا ردعوا عن ذلك ؛ لطفا بهم ، وعناية لهم ، وخوفا عليهم من الوقوع في مهاوي الضلال الموجب لمزيد البعد من حضرة ذي الجلال.
وأما من خلص من تلك القيود ، وقام حق القيام بوظائف الملك المعبود ـ وقيل ما هم ـ فهو ممّن فاز من (٢) ذلك بالمعلّى والرقيب وحاز النصيب الأوفر من وصل الحبيب (٣) ؛ ولهذا أن جملة ممن داخله العجب بنفسه والاغترار ، ولم يلتفت إلى ما ورد من المنع في هذه الأخبار ، وولج بزعمه في ذلك الباب ، وخاض في ذلك البحر العباب (٤) وقع في لجج المضيق ، وصار فيه غريقا وأيّ غريق. وهم مشايخ الصوفية الذين يكادون بدعاويهم يزاحمون مقام الربوبية ؛ فما بين من وقع في القول بالحلول أو الاتحاد ، أو وحدة الوجود الموجب جميعه للزندقة والإلحاد ، وأمثال ذلك من المقالات الظاهرة الفساد.
وبالجملة ، فإن هذه المرتبة إنما هي لمن خصهم الله عزوجل من بين عباده في
__________________
(١) النازعات : ٤٠ ـ ٤١.
(٢) ممّن فاز من ، من «ح» وفي «ق» من فاز.
(٣) من «ح».
(٤) في «ح» : الغيّاب.