عالم الأزل بالانتخاب والاصطفاء ؛ لما علمه منهم من الصدق في القيام بواجب حقه والوفاء. وفي هذه المرتبة أيضا درجات متفاوتة (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) (١).
وإلى هذه المرتبة يشير أيضا ما ورد عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ حيث سأله سائل : هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين؟ فقال : «ويحك ، ما كنت أعبد ربا لم أره». قال كيف رأيته؟ قال : «ويحك ، لا تدركه العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان» (٢).
ومثل ذلك أيضا روى عن الباقر عليهالسلام (٣).
وهذه الرؤية عبارة عن الانكشاف التام والظهور ، وهذا مخصوص ـ كما ذكرنا ـ بالأنبياء وبهم عليهمالسلام ، المخلوقين من أنوار العظمة الإلهية لا يزاحمهم فيها مزاحم من البريّة. ولهذا أن شيخنا المجلسى ـ عطّر الله مرقده ـ في كتاب (عين الحياة) في شرح قوله صلىاللهعليهوآله لأبي ذرّ رضياللهعنه : «يا أبا ذر ، اعبد الله كأنّك تراه ، فإن كنت لا تراه فإنه يراك» (٤) ، قال بعد أن ذكر للرؤية معنيين : أحدهما : الرؤية البصرية ، والثاني : الرؤية بمعنى الانكشاف التام ـ ما صورته : ولمّا كان هذا القسم من الانكشاف مخصوصا بالأنبياء والأئمَّة عليهمالسلام ، وأنه غير متصور من أبي ذر ولا من مثله قال له : اعبد الله كأنك وصلت إلى هذه المرتبة. كما أن الرؤية في تتمة الكلام بهذا المعنى ، فإن رؤية الله سبحانه لعبده ليس بالعين فإنه تنزّه عن الأعضاء والجوارح (٥). انتهى.
ثم إنّه ينبغي أن يعلم [أن] هذه الرؤية القلبية التي ذكرها الإمامان عليهماالسلام لا يجوز
__________________
(١) البقرة : ٢٥٣.
(٢) الكافي ١ : ١٣٨ / ١ ، باب جوامع التوحيد.
(٣) الكافي ١ : ٩٧ / ٥ ، باب في إبطال الرؤية.
(٤) مكارم الأخلاق ٢ : ٣٦٣ / ٢٦٦١.
(٥) انظر عين الحياة ١ : ٣٢ ، ٣٣ ـ ٣٤ ، بالمعنى.