بينها وبين ما هو خلافها واقعا.
نعم ، إنما يتمشّى ذلك على قواعد العامة ؛ لعدم ورود حديث عندهم على التقية ، والظاهر أن من صرّح بذلك من أصحابنا إنما أخذه من كلامهم غفلة عن تحقيق الحال وما يلزمه من الإشكال.
لا يقال : إن الشيخ رحمهالله في كتابي الأخبار هو أصل هذه الطريقة ومحقّق هذه الحقيقة ، حيث إنه جمع بين الأخبار ، لقصد رفع التنافي بينها بوجوه عديدة وإن كانت عن حاقّ اللفظ بعيدة ، بل جملة منها ربما كانت غير سديدة رعاية لهذه القاعدة ، وطلبا لهذه الفائدة.
لأنا نقول : نعم ، قد فعل الشيخ رحمهالله ذلك ، لكن ليس لرعاية هذه القاعدة كما يتوهم ، بل السبب الحامل له على ذلك هو ما أشار إليه في أوّل كتاب (التهذيب) (١) من أن بعضا من الشيعة قد رجع عن مذهب الحق لما وجد الاختلاف في الأخبار ، فقصده قدسسره لأجل إزاحة هذه الشبهة عن ضعفة العقول ، ومن ليس له قدم راسخ في المعقول والمنقول ، وارتكب الجمع بينها ولو بالوجوه البعيدة ، وأكثر من الاحتمالات العديدة ، كل ذلك لرفع (٢) تلك الشبهة.
وبهذا يندفع عنه ما أورده المتأخّرون في جمل من مواضع الجمع بين الأخبار بالبعد أو الفساد ، فإن مثله قدسسره ممن (٣) لا يشق غباره ولا يدفع اشتهاره لا يخفى عليه ما اهتدى إليه أولئك الأقوام ، وما أوردوه عليه (٤) في كل مقام ، لكنهم من قبيل ما يقال : أساء سمعا فأساء إجابة (٥).
__________________
(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢.
(٢) في «ح» : لدفع.
(٣) من «ح».
(٤) ليست في «ح».
(٥) مجمع الأمثال ٢ : ١٠١ / ١٧٧٣.