ويرزقني من علمك وأرجو أن الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته. فقال : «يا أبا عبد الله ، ليس العلم بالتعلم إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه ، فإن أردت العلم ، فاطلب أولا في نفسك حقيقة العبودية ، واطلب العلم باستعماله ، واستفهم الله يفهمك». قلت : يا شريف. فقال : «قل : يا أبا عبد الله» : قلت : يا أبا عبد الله (١) ما حقيقة العبودية؟ قال : «ثلاثة أشياء : ألا يرى العبد [لنفسه فيما] (٢) خوّله الله ملكا ؛ لأن العبيد لا يكون لهم ملك ، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به ، ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرا ، وجملة اشتغاله فيما أمره الله تعالى به ونهاه عنه. فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوّله الله تعالى ملكا هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه ، فإذا فوض العبد تدبير نفسه على مدبره هان عليه مصائب الدنيا ، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه ، لا يتفرّغ منهما (٣) إلى المراء والمباهاة مع الناس.
فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هان عليه الدنيا وإبليس والخلق ، ولا يطلب الدنيا تكاثرا وتفاخرا ، ولا يطلب ما عند الناس عزّا وعلوّا ، ولا يدع أيامه باطلا ، فهذا أول درجة التقى ، قال الله تعالى (تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٤)».
قلت يا أبا عبد الله ، أوصني. قال : «أوصيك بتسعة أشياء فإنها وصيتي لمريدي الطريق إلى الله تعالى ، والله أسأل أن يوفّقك لاستعماله : ثلاثة منها في رياضة النفس ، وثلاثة منها في الحلم ، وثلاثة منها في العلم فاحفظها وإياك والتهاون بها».
قال عنوان : ففرغت قلبي له. فقال : «أما اللواتي في الرياضة ، فإياك أن تأكل مالا تشتهيه ، فإنه يورث الحماقة والبله. ولا تأكل إلّا عند الجوع. وإذا أكلت فكل حلالا ، وسم
__________________
(١) قلت : يا أبا عبد الله ، سقط في «ح».
(٢) من المصدر ، وفي النسختين : في نفسه لما.
(٣) في «ح» : يفزع منها ، بدل : يتفرّغ منهما.
(٤) القصص : ٨٣.