الثاني : أن العلم الذي وردت بمدحه الآيات القرآنية والأخبار المعصومية ، والثناء على من اتصف به إنّما هو علم الأخلاق ، وهو العلم الموجب للفوز والقرب من الملك الخلّاق ، لا علم السلم والإجارة والسبق والرماية والنكاح والطلاق وإن كانت هذه العلوم وأمثالها فاضلة شريفة وواجبة كفاية إلّا إن حصول الشرف لصاحبها إنّما يتمّ بانضمام ذلك العلم لها ، وإلّا فهي بدونه إنما تكون على صاحبها وبالا وبعدا من الله تعالى ونكالا.
الثالث : شدة خطر هذا المقام ـ أعني : مقام الحكم والفتوى ـ وأنه في الدرجة العالية القصوى ، وهو مقام لا ينال بالتمنّي ، ولا يحصل بالتظني (١). فلا تغتر أيّها الطالب لنفائس المطالب ، وتحصيل ما هو الحق والواجب بكثرة المتصدرين في (٢) هذا المقام والناصبين أنفسهم للأنام وعكوف من عكف عليهم من الجهّال الذين هم كالأنعام. وقد سمعت ما تكرّر من كلام المحقّق الشارح المازندراني في معنى تلك الأخبار ، وما تكرر في كلام شيخنا الشهيد الثاني وأمثاله من علمائنا الأبرار ، وما وشّحنا به ذلك من الروايات الجارية في هذا المضمار.
الرابع : كثرة من تلبّس في هذه الصناعة بهذا اللباس من أتباع الوسواس الخناس ، حتى صار تمييز العالم الحقيقي في قالب الخفاء والالتباس. ومما يؤكد ذلك زيادة على ما قدّمناه ما رواه في كتاب (الاحتجاج) (٣) وهو في (تفسير الإمام العسكري عليهالسلام) ، حيث قال عليهالسلام بعد ذمّ تقليد الشّيعة لفسقة علمائهم ، وأنهم مثل اليهود في تقليدهم لعلمائهم ما صورته : «فإمّا من كان من الفقهاء صائنا نفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا على هواه مطيعا لمولاه ، فللعوام أن يقلدوه. وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ؛ فإن من ركب من القبائح والفواحش مركب فسقة
__________________
(١) كذا في النسختين.
(٢) سقط في «ح».
(٣) الاحتجاج ٢ : ٥١١ ـ ٥١٢ / ٣٣٧.