وحسبك قوله في خطبة أخرى : رجع قوم على الأعقاب ، وغالتهم السبل ، واتّكلوا على الولائج ، ووصلوا غير الرحم ، وهجروا السبب الذي أمروا بمودّته ، ونقلوا البناء عن رصّ أساسه ، فبنوه في غير مواضعه ، معادن كل خطيئة ، وأبواب كل ضارب في غمرة ، قد ماروا في الحيرة ، وذهلوا في السكرة ، على سنة من آل فرعون ، من منقطع إلى الدنيا راكن ، أو مفارق للدين مباين (١).
فما تمالكت من نفسي إلاَّ والدموع تعاودني بالانهمار ، فوقفت مبهوتاً من هذه الأمّة ، وهؤلاء القوم الذين يدّعون الإسلام ، ما أقوى هذه الكلمات! تركت نفسي تقرأ بكل ما أمتلك من تركيز ؛ لأني أقرأ كلمات من سيِّد الوصيين ، وخليفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكل ذلك لم أكن أعلم بعد صدق هذه الخطب ، ولكنها هزَّت مشاعري ، وسيطرت عليَّ ، وصرت أتساءل : هل هذه الكلمات تصدر من الإمام علي عليهالسلام؟
هل غصبت الخلافة من عنده؟ هل هذه الكلمات لها سند معتبر؟ فبدأت تنهال عليَّ موجات عارمة من الأسئلة ، وتابعت البحث حتى عثرت على مناشدة للإمام علي عليهالسلام يوم الشورى (٢) ، وما أدراك ما يوم الشورى؟!!
وساق الحديث إلى أن قال : بداية الحيرة والشك والتساؤل :
بعد تأثّري الشديد بخطب ومناشدات علي عليهالسلام الذي أوردها صاحب كتاب المراجعات في الصفحة ٦٨٠ طبع ( الدار الإسلامية ) عام ١٩٨٦ ، صحيح أني تأثَّرت وصدمت إثر قراءتها ، ولكن بدأت بالبحث للتأكُّد من صحّة ما يذهب
__________________
١ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي عليهالسلام : ٢/٣٦ ، خطبة رقم : ١٥٠ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٩/١٣٢.
٢ ـ راجع : المناقب ، ابن المغازلي الشافعي : ٢٢٢.