فرقة كما في الحديث (١).
هذا ودعوى إيكال أمر الخلافة إلى الأمة باطلة لأمور :
أوّلا: إن أهل الحلِّ والعقد، أو الانتخاب ، أو ذوي الشورى لا يتمُّ الأمر بما أوكل إليهم إلى مدى الدهر ، بل هو عين إيقاع الأمة في الفوضى التي توقع الأمة في هوَّة ساحقة لاحدَّ لها ولا قرار ، لهذا نرى الأمّة لا زالت تمخر في بحور من الدماء من ذلك اليوم إلى يومنا هذا ، ثمَّ إلى انتهاء حياة البشر يوم البعث والنشور.
ثانياً : مما لا خفاء فيه أن الناس مختلفون في معتقداتهم ، ومتباينون في آرائهم ، ونرى أنه لا يتفق اثنان في الرأي ، بل الإنسان نفسه لا يتفق له أن يستمرَّ على رأي دائم ، بل يتقلَّب رأيه في كل لحظة ، فكيف يمكن أن يكون الأمر موكولا إلى أهل الحلِّ والعقد؟! وهذا يأباه العقل والوجدان.
ثالثاً : يستحيل أن يحصل الاتفاق بإيكال الأمر إلى أهل الحلِّ والعقد ، فلابدَّ من وقوع اضطراب شديد بين الشعوب والقبائل ، ووقوع القتل والسلب والنهب ، وغيرها ممّا هو موجود ، كما هو موجود في كل عصر ومصر ، ولم يمكن لرئيس أن يتمَّ على يده نظام حياة الإنسان إلاَّ بالقوَّة القاهرة ، وهذه مؤقَّتة زائلة ، ومتى زالت رجع كل واحد إلى ما كان عليه من الأعمال الضارّة بالسكان.
لهذا قلنا مكرَّراً : إن الله لا يدع أمراً من أمور الدين للأمَّة تتجاذبه
__________________
١ ـ تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ١٣/٢٩٥ ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ٦٢/٣١١ ، الفصول في الأصول ، الجصاص : ٣/٣١٦.