وآثاره ، الأمر الذي كان يدعوه كثيراً إلى أن يقدِّم نفسه الزكيَّة قرباناً في سبيل حفظه وبقائه واستمراره وانتشاره ، فضلا عن حقّه وتراثه.
وجملة القول : كانت رعايته عليهالسلام لصيانة الدين وحفظه أكثر من رعايته لحقّه ، وكان ضياع حقِّه عنده أهون عليه من ذهاب الدين وزواله ، وما فعله عليهالسلام هو الواجب عقلا وشرعاً ؛ إذ أن مراعاة الأهمّ ـ وهو احتفاظه بالأمّة ، وحياطته على الملّة ـ وتقديمه على المهمّ ـ وهو احتفاظه بحقّه ـ عند التعارض من الواجب الضروريِّ في الدين الإسلاميِّ ، وميله للسلم والموادعة كان هو الأفضل في الصواب.
هشام آل قطيط : سماحة السيد! أدلّتك مقنعة وقويّة ، ولكن أين نذهب بقوله تعالى:( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) (١).
السيِّد البدري : لماذا أنت متمسِّك بهذه الآية؟ اتركني أنتهي من الأدلّة وأردُّ عليك إن شاء الله تعالى ، اصبر ، اصبر يا أخي .. ألم تسمع بكتاب نهج البلاغة للإمام علي عليهالسلام ، إذ قال في خطبته المشهورة بالشقشقيّة :
أما والله لقد تقمَّصها ابن أبي قحافة ، وإنه ليعلم أن محلّي منها محلُّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقى إليَّ الطير ، فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً ، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب منها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهباً ، حتى مضى الأوَّل لسبيله ، فأدلى بها إلى ابن
__________________
١ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٩.