يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة ، فيقول يا رسول الله أغثنى ، فأقول لا أملك لك من الله شيئا ، قد أبلغتك ، لا ألفينّ أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق ، فيقول يا رسول الله أغثنى ، فأقول لا أملك لك من الله شيئا ، قد أبلغتك ، لا ألفينّ أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله أغثنى ، فأقول لا أملك لك من الله شيئا ، قد أبلغتك». وجعل بعض العلماء هذا الحديث من قبيل التمثيل ، فشبهت حال الغالّ بما يرهقه من أثقال ذنبه وفضيحته به مع من فقد الناصر والمغيث ـ بحال من يحمل ذلك على عاتقه ، ويقصد أرجى من يمكنه أن يغيثه فيخذله ويتنصل من إغاثته ، وما زال الناس يشبهون الأثقال المعنوية بالأثقال الحسية ، ويعبرون عن ذلك بالحمل كما قال تعالى «اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ ، وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ ، إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ، وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ».
وقال أبو مسلم الأصفهانى : إن الإتيان فى الآية معناه : أن الله يعلمه أتم العلم وينكشف له أوضح انكشاف ، فالمراد أن كل غلول وخيانة خفية يعلمه الله مهما خفى ، ويظهره يوم القيامة للغالّ حتى يعرفه كمعرفة من أتى بشىء يوصله إلى غيره ، كما جاء فى قوله تعالى حكاية عن لقمان : «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ ، إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» فليس معنى الإتيان هنا أنه يحملها ، بل يعلم بها مهما كانت مستترة ، لأن من يأتى بالشيء لا بد أن يكون عالما به.
(ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي ثم بعد أن يأتى الغالّ بما غل فيتمثل له كأنه حاضر بين يديه ، ينال جزاء ما كسب مستوفى تاما لا ينقص منه شىء كما قال تعالى : «وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ، وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها؟ وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً».