وقد جعل الدين فى سلطانه على النفوس ، وتصرفه فيها بحسب نواميسه وأصوله ، وما يترتب على ذلك من جريان الأعمال بحسب هديه ـ كأنه حبل متين يأخذ به الآخذ فيأمن السقوط فى الهاوية ، كأنّ الآخذين به قوم على نشز أي مرتفع من الأرض يخشى عليهم السقوط منه ، فيأخذون بحبل موثّق يجمعون به قوتهم ، فينجون من السقوط.
وفى الحديث «القرآن حبل الله المتين ، لا تنقضى عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الردّ ، من قال به صدق ، ومن عمل به رشد ، ومن اعتصم به هدى إلى صراط مستقيم»
وجاء فى معنى الآية قوله تعالى : «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» فحبل الله فى هذه الآية هو صراطه المستقيم ، كما أن أنواع التفرق هى السبل التي نهى عنها فيها.
ومن السبل المفرقة فى الدين إحداث الشيع والمذاهب كما قال : «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ» ومنها العصبية الجنسية كما بين الأوس والخزرج كما تقدم ذلك ، وقد روى أبو داود عن مطعم بن جبير (ليس منّا من دعا إلى عصبية).
وقد سار على هذا النهج أهل أوربا فى العصر الحديث فاعتصموا بالعصبية الجنسية كما كانت العرب تفعل ذلك فى الجاهلية وسرى ذلك إلى بعض البلاد الإسلامية ، فحاول أهلها أن يجعلوا فى المسلمين جنسيات وطنية. فدعا الترك إلى العصبية التركية ، والمصريون إلى الجنسية المصرية ، والعراقيون إلى الجنسية العراقية ، ظنا منهم أن ذلك مما ينهض بالوطن ، وليس الأمر كما يظنون ، فإن الوطن لا يرقى إلا باتحاد كل المقيمين فيه لإحيائه ، لا فى تفرقهم ووقوع الشحناء والبغضاء بينهم ، فالدين يأمر باتحاد كل قوم تضمهم أرض واحدة ، وإن اختلفت أديانهم وأجناسهم ، ويأمر بالاعتصام بحبل الله المتين بين جميع الأقوام.
(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ