(فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي فلا تخافوا أولئك الأولياء ، ولا تحفلوا بقولهم (فَاخْشَوْهُمْ) فتخافوهم ، بل خافونى فى مخالفة أمرى ، لأنكم أوليائى وأنا وليكم وناصركم إن كنتم راسخى الإيمان قائمين بحقوقه ، فإن من حقه إيثار خوف الله تعالى على خوف غيره ، والأمن من شر الشيطان وأوليائه.
وخلاصة ذلك ـ إنه إذا عرضت لكم أسباب الخوف ، فاستحضروا فى نفوسكم قدرة الله الذي بيده كل شىء ، وهو يجير ولا يجار عليه ، وتذكروا وعده بنصركم ، وإظهار دينكم على الدين كله ، وأن الحق يدمغ الباطل فإذا هو زاهق ، واذكروا قوله : «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» ثم خذوا أهبتكم ، وتوكلوا على ربكم فإنه لا يدع لخوف غيره مكانا فى قلوبكم.
وفى هذه الآية من العبرة :
(١) إن صادق الإيمان لا يكون جبانا ، فالشجاعة وصف للمؤمن ، لا يبلغ غيره فيها مداه ، إذ أن العلة الحقيقية للجبن هى الخوف من الموت والحرص على الحياة ، وقلب المؤمن لا يتسع لهما.
ولا يزال العالم اليوم يشهد شجاعة الجيوش الإسلامية مع ما منى به المسلمون من ضعف فى إيمانهم ، وجهل بكثير من شئون دينهم.
(٢) إن فى استطاعة الإنسان أن يقاوم أسباب الخوف ، ويعوّد نفسه الاستهانة بها بالتمرين والتربية وتعوّد الإقدام إذا عرضت له تلك الأسباب.
(٣) إذا عرضت له أسباب الخوف فعليه ألا يسترسل لها حتى لا يتمكن أثرها فى نفسه ، وتتجسم صورتها فى خياله ، بل يغالبها بصرفها عن ذهنه ، وشغله بما يضاده ويذهب بآثارها ، أو يتبدلها بآثار مناقضة لها ، وهذا يدخل فى اختيار الإنسان ، وهو الذي نبط به التكليف.