وهذا التفاوت على مراتب ودرجات يعلو بعضها بعضا ابتداء من الرفيق الأعلى الذي طلبه النبي صلى الله عليه وسلم فى مرض موته إلى الدرك الأسفل.
وهذه الدرجات أثر طبيعى لارتقاء الأرواح أو تدليها بالأعمال الصالحة أو السيئة.
(وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) فلا يخفى عليه شىء من أعمالهم التي لها التأثير العظيم فى تزكية نفوسهم وفوزها وفلاحها وارتقائها إلى أرفع الدرجات ـ أو فى تدسيتها التي يترتب عليها الخيبة والخسران والهبوط إلى أسفل الدركات كما قال : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها).
ولا يعلم هذه الدرجات إلا من أحاط بكل شىء علما ، لأنه هو الذي لا يخفى عليه أثر من آثار الأعمال فى الأنفس ، ولا ما يختلج القلوب من الخواطر والهواجس.
وبعد أن نفى الغلول والخيانة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أبلغ وجه أكد ذلك بهذه الآية.
(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) أي إن هذا الرسول ولد فى بلدهم ، ونشأ بين ظهرانيهم ، ولم يروا منه طوال حياته إلا الصدق والأمانة والدعوة إلى الله والإعراض عن الدنيا ، فكيف يظن بمن هذه حاله خيانة وغلول؟.
وقد وصفه الله بأوصاف كل منها يقتضى عظيم المنة :
(١) إنه من أنفسهم أي إنه عربى من جنسهم ، وبذا يكونون أسرع الناس إلى فهم دعوته والاهتداء بهديه ، وأقرب إلى الثقة به من غيرهم ، إلى أنهم إذا كانوا على كثب منه وقفوا على أحواله من الصدق والأمانة ، إلى مالهم بذلك من شرف وجليل خطر كما قال تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) وقال :
وكم أب علا بابن ذا شرف |
|
كما علت برسول الله عدنان |
وقد خطب أبو طالب فى تزويج خديجة رضي الله عنها للنبى صلى الله عليه وسلم بمحضر من بنى هاشم ورؤساء مضر ، فقال :