فى أكل أموال اليتامى ، فمن كان من الأولياء غنيا فليعف عن الأكل من أموالهم ، ومن كان فقيرا فليأكل بما يبيحه الشرع ، ويستجيزه أرباب المروءة.
الإيضاح
(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) هذا خطاب لمجموع الأمة ، والنهى شامل لكل مال يعطى لأىّ سفيه ، أي أعطوا كل يتيم ماله إذا بلغ ، وكل امرأة صداقها إلا إذا كان أحدهما سفيها لا يحسن التصرف فى ماله فامنعوه منه لئلا يضيعه ، واحفظوه له حتى يرشد.
وإنما قال أموالكم ولم يقل أموالهم مع أن الخطاب للأولياء والمال مال السفهاء الذين فى ولايتهم ، لينبهنا إلى أنه إذا ضاع هذا المال وجب على الولي أن ينفق عليه من مال نفسه ، فإضاعته مفضية إلى إضاعة شىء من مال الولي فكأن ماله عين ماله ، وإلى أن الأمة متكافلة فى المصالح ، فمصلحة كل فرد فيها كأنها مصلحة للآخرين.
ومعنى جعل الأموال قياما للناس ، أن بها تقوم وتثبت منافعهم ومرافقهم ، فمنافعهم الخاصة ، ومصالحهم العامة لا تزال قائمة ثابتة مادامت أموالهم فى أيدى الراشدين المقتصدين منهم الذين يحسنون تثميرها وتوفيرها ، ولا يتجاوزون حدود المصلحة فى الإنفاق ، وفى هذا حث عظيم على الاقتصاد بذكر فوائده ، وتنفير من الإسراف والتبذير ببيان مغبته ، فإن الأموال إذا وقعت فى أيدى السفهاء المسرفين فات ما كان من تلك المنافع قائما ، ومن ثم وصف الله المؤمنين بقوله : «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً». وقد ورد فى السنة النبوية حثّ كثير على الاقتصاد ، من ذلك مارواه أحمد عن ابن مسعود : «ما عال من اقتصد». ومارواه الطبراني والبيهقي عن ابن عمر : «الاقتصاد فى النفقة نصف المعيشة ، والتودد إلى الناس نصف العقل ، وحسن العقل نصف العلم».
وإن من أشد العجب أن يكون حال المسلمين اليوم ما نرى من الإسراف والتبذير ، وكتابهم يهديهم إلى ما للاقتصاد من فوائد ، وما للتبذير من مضار ، إلى ما للمال فى هذا الزمن من المنزلة التي لا يقدر قدرها حتى صارت جميع المرافق موقوفة