وعلى الإنسان أن يعلم أن له طورين :
(١) طور عاجل قصير ، وهو طور الحياء الدنيا.
(٢) طور آجل أبدىّ ، وهو طور الحياة الآخرة.
وسعادته فى كل من الطورين مرتبطة بإرادته وما توجهه إليه من العمل ، فالناس إنما يتفاضلون بالإرادات والمقاصد : فقوم يحاربون حبا فى الربح والكسب ، أو ضراوة بالفتك والقتل ، فإذا غلبوا أفسدوا فى الأرض وأهلكوا الحرث والنسل ، وقوم يحاربون دفاعا عن الحق وإقامة لقوانين العدل ، فإذا غلبوا عمروا الأرض وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، فهل يستوى الفريقان ، وهما فى المقصد مفترقان؟
كذلك يطلب الرجل الربح والكسب أحيانا بكل وسيلة مستطاعة طلبا للذاته ، والحصول على شهواته ، فيغلو فى الطمع ، ويمعن فى الحيل ، ولا يبالى أمن الحرام أكل أم من الحلال؟ يأكل الربا أضعافا مضاعفة ، فيجمع القناطير المقنطرة ، وهو مع ذلك يمنع الماعون ، ولا يحضّ على طعام المسكين ، ولو سئل البذل فى المصالح العامة كان أشد الناس بخلا وأقبضهم كفا ، بينا يطلب آخر الكسب طلبا للتجمل وحبا للكرامة فى قومه وعشيرته ، فيقتصد فى الطلب ، ويتحرى الربح الحلال ، ويلتزم الصدق والأمانة ، ويبتعد عن الفسوق والخيانة ، وهو مع هذا ينفق مما أفاء الله به عليه ، فيواسى البائسين ، ويساعد المعوزين ، وتكون له اليد الطّولى فى الأعمال النافعة لأمته ، فيشيد لها المدارس والمعابد ، والملاجئ والمستشفيات ، فهل ينظر الناس إلى هذين نظرة متساوية ، وهل هما فى القرب عند الله بمنزلة واحدة ، أو يفضل أحدهما الآخر بحسن القصد والإرادة والميل إلى الخير وحب المصلحة العامة.
وقصارى القول ـ إن أقدار الرجال تتفاوت وتختلف باختلاف إرادتهم ، فبينما تتسع دائرة وجود الشخص بحسب كبر إرادته وسعة مقصده ، فتحيط بالكرة الأرضية ، بل فوق ذلك بما يكون له من الكرامة فى العالم العلوي ـ إذا