وربما لا تمضى ساعة من ليل أو نهار إلا وهناك ناس يتوجهون إليه ، ولا شك أن هذه الهداية من أشرف أنواع الهدايات.
وكل هذا ببركة دعوة إبراهيم صلوات الله عليه «رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ، رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ».
(٣) (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) أي فيه دلائل واضحات ، أحدها مقام إبراهيم ـ موضع قيامه للصلاة والعبادة ـ وقد عرف ذلك العرب وغيرهم بالنقل المتواتر.
وإبراهيم أبو الأنبياء الذين بقي في الأرض أثرهم ، وجعلت النبوة والملك فيهم ، فأىّ دليل أبين من هذا على كون ذلك البيت من أول بيوت العبادة المعروفة؟
(٤) (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) أي وأمن من دخله ، والعرب جميعا قد اتفقوا على احترامه وتعظيمه ، فمن دخله أمن على نفسه من الاعتداء والإيذاء ، وأمن أن يسفك دمه أو تستباح حرماته مادام فيه ، وقد مضوا على ذلك الأجيال الطوال في الجاهلية على كثرة ما بينهم من الأحقاد والضغائن ، واختلاف المنازع والأهواء ، وقد أقر الإسلام هذا ، وكل ذلك بفضل دعوة إبراهيم عليه السلام «رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً».
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو ظفرت فيه بقاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه. ومن ثم قال أبو حنيفة رحمه الله : من وجب قتله في الحلّ بقصاص أو ردّة أو زنا فالتجأ إلى الحرم لم يتعرّض له ، إلا أنه لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج منه.
وفتح مكة بالسيف كان لضرورة تطهير البيت من الشرك وتخصيصه للعبادة ، فقد حلت للنبى صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار لم تحل لأحد قبله ، ولن تحل لأحد بعده كما جاء في الحديث