وجاء حكم التوفية فى الجزاء عاما لكل كاسب ، وإن كان الكلام فى جزاء الغالّ فحسب ـ ليكون كالدليل على المقصود من استيفائه الجزاء ، فإنه إذا كان كل كاسب مجزيّا بعمله لا ينقص منه شىء وإن كان جرمه حقيرا ، فالغالّ مع عظم جرمه أولى بذلك.
وقد أردف الله توفية ما كسبته كل نفس بالتفصيل الآتي ليبين أن جزاء المطيعين ليس كجزاء المسيئين ، فقال :
(أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ؟) أي أفمن اتقى وسعى فى تحصيل رضا الله بفعل الطاعات ، وترك الغلول وغيره من الفواحش والمنكرات حتى زكت نفسه وصفا روحه ـ يكون جزاؤه كجزاء من انتهى أمره إلى سخط الله ، وعظيم غضبه ، بفعل ما يدسّى نفسه من الخطايا من سرقة وغلول وسلب وقتل ، وترك ما يطهرها من فعل الخيرات وعمل الصالحات؟.
ثم صرح بالفارق بينهما فقال :
(وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي ومأواه الذي يأوى إليه ، ولا مرجع له غيره ، هى جهنم وساءت منقلبا ومرجعا ومآبا.
ونظير هذه الآية قوله تعالى : «أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ» وقوله : «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ».
(هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) أي إن كلا ممن اتبع رضوان الله ومن باء بغضب من الله طبقات مختلفة ، ومنازل عند الله متفاوتة فى حكمه ، وبحسب علمه بشئونهم وبما يستحقون من الجزاء «يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ».
والخلاصة ـ إن الناس يتفاوتون فى الجزاء عند الله كما يتفاوتون فى الفضائل والمعرفة فى الدنيا ، وما يترتب على ذلك من الأعمال الحسنة أو السيئة.